وكان ابنه الصادق عليه السلام أفضل أهل زمانه وأعبدهم ، قال علماء السيرة : إنه انشغل بالعبادة عن طلب الرياسة . قال عمرو بن أبي المقدام : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد ، علمت أنه من سلالة النبيين . وهو الذي انتشر منه فقه الإماميّة والمعارف الحقيقيّة والعقائد اليقينيّة . وكان لا يخبر بأمر إلا وقع ، وبه سمّوه الصادق الأمين . وكان عبد الله بن الحسن جمع أكابر العلويين للبيعة لولده ، فقال له الصّادق عليه السلام : إن هذا الأمر لا يتم ! فاغتاظ من ذلك ، فقال الصّادق عليه السلام : إنه لَصاحب القباء الأصفر ، وأشار بذلك إلى المنصور ، فلما سمع المنصور بذلك فرح لعلمه بوقوع ما يخبر به ، وعلم أن الأمر يصل إليه . ولما هرب كان يقول : أين قول صادقهم ؟ وبعد ذلك انتهى الأمر إليه . وكان ابنه موسى الكاظم عليه السلام يدعى بالعبد الصالح ، كان أعبد أهل وقته يقوم الليل ويصوم النهار . سمّي الكاظم لأنه كان إذا بلغه عن أحد شيء بعث إليه بمال ، ونقل فضله المخالف والمؤالف . قال ابن الجوزي من الحنابلة : عن شقيق البلخي قال : خرجت حاجّاً في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلت القادسية ، فإذا شابٌّ حسن الوجه شديد السمرة ، عليه ثوب صوف مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان ، وقد جلس منفرداً عن الناس ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاًّ على الناس ، واللّه لأمضيّن إليه وأوبخنّه ! فدنوت منه فلما رآني مقبلاً قال : يا شقيق ( اجْتَنِبُوا كَثيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) فقلت في نفسي : هذا عبد صالح قد نطق على ما في خاطري ، لألحقنه ولأسألنّه أن يحلّلني ، فغاب عن عيني ، فلما نزلنا واقصة إذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر ، فقلت : أمضي إليه وأعتذر ، فأوجز في صلاته ثم قال : يا شقيق : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) ، فقلت : هذا من الأبدال ، قد تكلّم على