واللّه لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك . فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق . فلمّا دخلت على المتوكل سألني عنه ، فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقته وورعه وزهادته ، وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم ، وأن أهل المدينة خافوا عليه . فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل برّه وأنزله معه سرّ من رأى » [1] . قال قدس سره : ثم مرض المتوكل ، فنذر إن عوفي تصدق بدراهم كثيرة ، فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جواباً ، فبعث إلى علي الهادي عليه السلام يسأله فقال : تصدق بثلاثة وثمانين درهماً . . . . الشرح : قال الخطيب البغدادي الحافظ : « أخبرني الأزهري ، حدّثنا أبو أحمد عبيد اللّه ابن محمد المقرئ ، حدّثنا محمد بن يحيى النديم ، حدّثنا الحسين بن يحيى قال : اعتل المتوكل في أول خلافته ، فقال : لئن برئت لأتصدّقن بدنانير كثيرة ، فلما برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك ، فاختلفوا ، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر فسأله . فقال : يتصدّق بثلاث وثمانين ديناراً . فعجب قوم من ذلك ، وتعصّب قوم عليه ، وقالوا : تسأله - يا أمير المؤمنين - من أين له هذا ؟ فردّ الرسول إليه فقال له : قل لأمير المؤمنين : في هذا الوفاء بالنذر ، لأن اللّه تعالى قال ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة ) فروى أهلنا جميعاً أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطناً ، وأن يوم حنين كان الرابع والثمانين . وكلّما زاد أمير المؤمنين من فعل الخير كان أنفع له ، وأُجر عليه في الدنيا والآخرة » [2] . ورواه الحافظ ابن الجوزي عن أبي منصور القزاز عن الخطيب بإسناده كذلك [3] .
[1] تذكرة خواص الأمة : 359 - 360 . [2] تاريخ بغداد 12 / 56 - 57 . [3] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 12 / 74 .