تعضّ ندامة كفّيك ممّا * تركت مخافة النار سرورا » وتوفي أبو نؤاس ببغداد سنة خمس أو ست أو ثمانية وتسعين ومائة . روى الخطيب بإسناده عن محمد بن نافع قال : « كان أبو نؤاس لي صديقاً ، فوقعت بيني وبينه هجرة في آخر عمره ، ثم بلغني وفاته فتضاعف علي الحزن ، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا أنا به . فقلت : أبو نؤاس ؟ قال : لات حين كنية . قلت : الحسن بن هاني ؟ قال : نعم . قلت : ما فعل اللّه بك ؟ قال : غفر لي بأبيات قلتها هي تحت ثنيّ وسادتي . فأتيت أهله ، فلما أحسّوا بي أجهشوا بالبكاء ، فقلت لهم : هل قال أخي شعراً قبل موته ؟ قالوا : لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئاً لا ندري ما هو . قلت : ائذنوا لي أدخل ، قال : فدخلت إلى مرقده ، فإذا ثيابه لم تحرّك بعد ، فرفعت وسادة لم أر شيئاً ، ثم رفعت أخرى فإذا برقعة فيها مكتوب : يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن * فمن الذي يدعو ويرجو المجرم أدعوك ربّ كما أمرت تضرّعاً * فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم ما لي إليك وسيلة إلا الرّجا * وجميل عفوك ثم إني مسلم » أقول : هذه ترجمة أبي نؤاس بإيجاز ، وهي تفيد في مجملها : أن الرجل كان فقيهاً محدّثاً عالماً أديباً ، وقد كانت تصدر منه أشياء ، ولكن لم يكن بحيث يهجره الأئمة عليهم