ليجمع لك بينهما فاختر من شئت منهما ، فقال : إذا مات الحسين بكيت عليه أنا وعلي وفاطمة ، وإذا مات إبراهيم بكيت أنا عليه ، فاختار موت إبراهيم فمات بعد ثلاثة أيام ، فكان إذا جاء الحسين بعد ذلك يقبّله ويقول : أهلاً ومرحباً بمن فديته بابني إبراهيم ! وكان علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يصوم نهاره ويقوم ليله ويتلو الكتاب العزيز ، ويصلّي كلّ يوم وليلة ألف ركعة ، ويدعو بعد كلّ ركعتين بالأدعية المنقولة عنه وعن آبائه عليهم السّلام ، ثم يرمي الصحيفة كالمتضجّر ويقول : أنَّى لي بعبادة علي عليه السلام ! وكان يبكي كثيراً حتى أخذت الدموع من لحم خدّيه ، وسجد حتى سمي ذا الثفنات ، وسمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سيّد العابدين . وكان قد حج هشام بن عبد الملك ، فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه من الزحام ، فجاء زين العابدين عليه السلام فوقف الناس له وتنحّوا عن الحجر حتى استلمه ولم يبق عند الحجر سواه ، فقال هشام : من هذا ؟ فقال الفرزدق الشاعر : هذا الذي تَعرف البطحاءُ وطأتَه * والبيتُ يعرفه والحلُّ والحَرَمُ هذا ابنُ خير عبادِ اللّه كلِّهِمُ * هذا التقىُّ النقىُّ الطاهرُ العَلَمُ يكادُ يُمْسكهُ عرفانَ راحته * ركنُ الحطيم إذا ما جاء يستلمُ إذا رأته قريشٌ قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ إن عُدَّ أهل التقى كانوا أئمَّتَهم * أو قيل : من خيرُ خلق اللّه ؟ قيل : هم هذا ابنُ فاطمة إن كنت جاهلَهُ * بجدِّهِ أنبياءُ اللّه قد ختموا يُغضي حياء ويُغضَى من مهابته * فما يُكلَّمُ إلا حينَ يبتسم ينشقُّ نور الهدى عن صبح غُرَّته * كالشمس تنجابُ عن إشراقها الظلَمُ مشتقةٌ من رسول اللّه نَبْعَتُهُ * طابت عناصرُهُ والخِيمُ والشِّيَمُ اللّه شرَّفه قدماً وفضَّله * جرى بذاك له في لوْحِهِ القلم من معشر حُبُّهمْ دينٌ وبُغْضُهُمُ * كفرٌ وقربهمُ مَلجئً ومعتصم