أقول : لو كان عنده دليل - ولو ضعيفاً - ينقض به ما ذكره العلاّمة ، لأتى به ، لأنه حاول الردّ حتى بالأباطيل والأكاذيب كما فعل في مواضع كثيرة ، فسكوته أقوى دليل . وكيف يطالب بالدليل على الأزهديّة والأعلميّة لهما ، وهما إمامان بالنصوص المتواترة والبراهين المتقنة ، والإمام يجب أن يكون أزهد وأعلم أهل زمانه ؟ ومن مظاهر زهد الإمام الحسن عليه السلام ، أنه قاسم اللّه ماله مرّتين أو ثلاث مرّات ، وهذا من الأمور الثابتة التي رواها من لا يقول بإمامته ، كأبي نعيم في حليته ، وابن عساكر في تأريخه [1] . ومن ذلك : ما رواه ابن عساكر بترجمته من تأريخه ، بسنده عن مدرك بن زياد - أحد الصحابة - قال : « كنا في حيطان ابن عباس وحسن وحسين ، فطافوا في البستان ، فنظروا ثم جاءوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها ، فقال لي حسن : يا مدرك أعندك غداء ؟ قلت : قد خبزنا . قال : ائت به . قال : فجئته بخبز وشئ من ملح جريش وطاقتين من بقل ، فأكل ثم قال : يا مدرك ما أطيب هذا ؟ ثم أتي بغدائه - وكان كثير الطعام طيّبه - فقال لي : يا مدرك ، إجمع لي غلمان البستان . قال : فقدّم إليهم فأكلوا ولم يأكل ، فقلت : ألا تأكل ؟ فقال : ذاك كان أشهى عندي من هذا » [2] . ومن مظاهر زهد الإمام الحسين عليه السلام : ما رواه القوم أيضاً من أنه : « حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشياً وإن النجائب تقاد معه » . ومن ذلك أنه قيل له : ما أعظم خوفك من ربّك ؟ فقال : « لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف اللّه في الدنيا » [3] .
[1] حلية الأولياء 2 / 37 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 243 ، 244 ، وسنن البيهقي 4 / 331 . [2] تاريخ مدينة دمشق 13 / 238 - 239 . [3] مناقب آل أبي طالب 3 / 244 .