( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) . ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ ) . وأيُّ ظلم أعظم من تعذيب الغير على فعل لم يصدر منه ، بل ممّن يعذّبه ؟ قال الخصم : القادر يمتنع أن يُرجّح مقدوره من غير مُرجح ، ومع المرجّح يجب الفعل ، فلا قدرة ! ولأنه يلزم أن يكون الإنسان شريكاً للّه تعالى ، ولقوله تعالى : ( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) . والجواب عن الأول : المعارضة باللّه تعالى فإنه تعالى قادر ، فإن افتقرت القدرة إلى المرجح وكان المرجح موجباً للأثر ، لزم أن يكون اللّه تعالى موجباً لا مختاراً ، فيلزم الكفر ! وعن الثاني : أي شركة هنا واللّه تعالى هو القادر على قهر العبد وإعدامه ؟ ! ومثال هذا : أن السّلطان إذا ولّى شخصاً بعض البلاد فنهب وظلم وقهر ، فإن السّلطان يتمكن من قتله والانتقام منه واستعادة ما أخذه ولا يكون شريكاً للسّلطان . وعن الثالث : أنه إشارة إلى الأصنام التي كانوا ينحتونها ويعبدونها ، فأنكر عليهم وقال : ( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) ! وذهبت الأشاعرة إلى أن اللّه تعالى مرئيٌّ بالعين ، مع أنه مجرّد عن الجهات ، وقد قال تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الأبْصَار ) ، وخالفوا الضرورة في أن المدرَك بالعين يكون مقابلاً أو في حُكمه ، وخالفوا جميع العقلاء في ذلك . وذهبوا إلى تجويز أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة من الأرض إلى السماء مختلفة الألوان لا نشاهدها ، وأصوات هائلة لا نسمعها ، وعساكر مختلفة متحاربة بأنواع الأسلحة بحيث تُمَاسُّ أجسامنا أجسامهم لا نشاهد صورهم ولا حركاتهم ولا نسمع أصواتهم الهائلة ، وأن نشاهد جسماً أصغر الأجسام كالذرة في المشرق ونحن في المغرب ، مع كثرة الحائل بيننا وبينها ، وهذا عين السفسطة ! وذهبوا إلى أنه تعالى آمرٌ وناه في الأزل ولا مخلوق عنده ، قائلاً : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ