ولم يرجعوا عن ضلالتهم ، ولو كان عدم رجوع أبي حنيفة عن مقالته دليلاً على كذب الخبر ، لكان عدم رجوع المشركين والزنادقة الذين قرئ عليهم القرآن وألزموا بالأدلّة والبراهين ، دليلاً على كذب القرآن وبطلان أدلّة العقائد الحقّة . أمّا أهل البيت وشيعتهم فهم على أنه « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين » وهذا شيء معروف متواتر عنهم ، مذكور في كتبهم مثل الكافي للكليني والتوحيد للصدوق ، وهو مذكورٌ عنهم في كتب غيرهم أيضاً ، أخذوه عن سيّدهم أمير المؤمنين عليه السّلام في مواضع مختلفة من كلماته ، منها : ما قاله للرجل الشامي عند منصرفه من حرب صفّين . . . فالكذب نسبة غير هذا المذهب إليهم . وأمّا أن هذا الكلام والتقسيم المحكي عن الإمام عليه السلام يقوله أصاغر القدريّة وصبيانهم وهو معروف من حين حدثت القدريّة . فقد حكى حكاية لم يذكر لها إسناداً ، وكأنه نسي ما أورده على العلاّمة قبل سطور ! ! لكنا نطالبه فقط بأسماء من وصفهم ب ( أصاغر القدريّة وصبيانهم ) الذين حكى عنهم ذلك ، بل باسم واحد منهم . . . . و ( موسى بن جعفر عليه السلام ) إمام من أئمة المسلمين ، منصوص عليه من قبل جدّهم رسول ربّ العالمين صلّى اللّه عليه وآله ، لكن القوم عدلوا عنه وعن آبائه ، ووالوا أناساً لا نسب لهم ولا علم ولا دين . . . . ثم إن أبا حنيفة تعلّم من الإمام جعفر بن محمد عليه السلام - كما سيأتي - لا أنه اجتمع به فحسب ، وسواء كان تعلّم من الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أو لا ، فإن في الحكاية أنه أتى - ومعه محمد بن مسلم - الإمام جعفر بن محمد عليه السلام فواجه غلاماً حدثاً ، فقيل له : هذا موسى ابنه . « فالتفت إليه قائلاً : يا غلام أين يضع الغريب في بلدتكم هذه ؟ قال : يتوارى خلف الجدار ، ويتوقّى أعين الجار وشطوط الأنهار ، ومسقط الثمار ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، فحينئذ يضع حيث شاء .