وأيضاً : فموسى بن جعفر وسائر علماء أهل البيت متفقون على إثبات القدر ، والنقل عنهم بذلك ظاهر معروف ، وقدماء الشيعة كانوا متفقين على إثبات القدر والصفات ، وإنما شاع فيهم ردّ القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة في دولة بني بويه . وأيضاً : فهذا الكلام المحكي عن موسى بن جعفر يقوله أصاغر القدريّة وصبيانهم ، وهو معروف من حين حدثت القدرية ، قبل أن يولد موسى بن جعفر ، فإن موسى بن جعفر ولد بالمدينة سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة ، قبل الدولة العباسية بنحو ثلاث سنين ، وتوفي ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة . قال أبو حاتم : ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين . والقدريّة حدثوا قبل هذا التاريخ ، بل حدثوا في أثناء المائة الأولى ، في زمن الزبير وعبد الملك . وممّا يبين أن هذه الحكاية كذب ، أن أبا حنيفة إنما اجتمع بجعفر بن محمد ، وأمّا موسى بن جعفر فلم يكن ممن سأله أبو حنيفة ولا اجتمع به ، وجعفر بن محمد هو من أقران أبي حنيفة ، ولم يكن أبو حنيفة يأخذ عنه مع شهرته بالعلم ، فكيف يتعلّم من موسى بن جعفر . إنتهى كلامه [1] . أقول : هذه الحكاية لها إسناد في كتب الإمامية ، بل متنها يشهد بصحّتها . لكن ليس من دأب المتكلّمين ذكر الأخبار بأسانيدها في الكتب الكلاميّة . أمّا أهل السنّة فلا يروون مثل هذا الخبر ، لأنه طعن في مذهبهم ، ومبيِّن لجهل من يقولون بإمامته ، والإفحام له ممن كان في الظاهر صبيّاً ، وهو من أئمة المسلمين باعترافهم . وكون أبي حنيفة من المقرّين بالقدر بالاتفاق ، لا ينافي صحّة الخبر ووقوعه ، فكم من دليل متقن سمعه أبو حنيفة وغيره من أهل الضلالات وعجزوا عن الجواب عنه