ومنها : أنه يلزم أن لا يتمكّن أحد من تصديق أحد من الأنبياء عليهم السّلام ، لأن التوصّل إلى ذلك والدليل عليه إنما يتم بمقدمتين . إحداهما : أن اللّه تعالى فعل المعجز على يد النبي عليه السلام لأجل التصديق . والثانية : أن كلّ ما صدقه اللّه تعالى فهو صادق . وكلتا المقدمتين لا تتم على قولهم ، لأنه إذا استحال أن يفعل لغرض ، استحال أن يظهر المعجز لأجل التصديق ، وإذا كان فاعلاً للقبيح ولأنواع الإضلال والمعاصي والكذب وغير ذلك ، جاز أن يصدق الكذاب ! فلا يصح الإستدلال على صدق أحد من الأنبياء عليهم السّلام ، ولا التديّن بشيء من الشرائع والأديان . ومنها : أنه لا يصح أن يوصف اللّه تعالى بأنه غفورٌ رحيمٌ حليمٌ عفوٌّ ، لأن الوصف بهذه إنما يثبت لو كان اللّه تعالى مسقطاً للعقاب في حق الفساق ، بحيث إذا أسقطه عنهم كان غفوراً عفوّاً رحيماً ، وإنما يستحق العقاب لو كان العصيان من العبد ، لا من اللّه تعالى . ومنها : أنه يلزم منه تكليف ما لا يطاق ، لأنه يكلف الكافر بالإيمان ولا قدرة له عليه وهو قبيح عقلاً ! والسمع قد منع منه فقال : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا ) . ومنها : أنه يلزم منه أن تكون أفعالنا الاختيارية الواقعة بحسب قصودنا ودواعينا مثل حركتنا يَمْنَةً وَيَسْرَةً وحركة البطش باليد والرجل في الصنائع المطلوبة لنا ، كالأفعال الاضطرارية مثل حركة النبض وحركة الواقع من شاهق بإيقاع غيره ! لكن الضرورة قاضية بالفرق بينهما ، وكلّ عاقل يحكم بأنا قادرون على الحركات الاختيارية ، وغير قادرين على الحركة إلى السماء . قال أبو الهذيل العلاّف : حِمَارُ بِشْر أعقلُ من بشر ، لأن حمارَ بشْر لو أتيت به إلى جدول صغير وضربته للعبور فإنه يطفره ، ولو أتيت به إلى جدول كبير لم يطفره ، لأنه يُفرّق بين ما يقدر على طفره وما لا يقدر عليه ، وبشرٌ لا يفرّق بين المقدور له وغير المقدور !