وكلاهما واجب لا يكون الإنسان مفلحاً ناجياً إلا بذلك » ، ولكن لم تكن الأمة كلّها بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كذلك . وأمّا قوله : « هذه الأمة خير الأمم » فهو إشارة إلى قوله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) [1] ، لكن هذه الأمة خير أمّة ما دامت تعرف المعروف وتعمل به ، وتعرف المنكر وتنتهي عنه وتنهى عنه ، وإلاّ فهي منقلبة على أعقابها ، وذلك ما أخبر به عز وجلّ بقوله ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ . . . ) [2] . فيكون المعنى : كنتم خير أمة أخرجت للناس ما لم تنقلبوا على أعقابكم بعد نبيكم عليه وآله الصّلاة والسلام . وقوله : « خيرها القرن الأول » إشارة إلى ما يروونه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أنه قال : « خير القرون قرني ثم الذين يلونهم » [3] لكنه - بعد الغضّ عن سنده والكلام في مدلوله - ليس على إطلاقه بل مقيّد - بالاتفاق - بما إذا لم يرتدُّوا ، فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في أحاديث صحيحة أخرجوها : ليردنّ عليّ الحوض غداً رجال من أصحابي ثم ليختلجنّ عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك . فأقول : سحقاً سحقاً . . . [4] . فيكون المعنى : خير القرون قرني ما لم يرتدُّوا على أدبارهم ، ولم يحدثوا من بعدي . وهل الإرتداد إلاّ الإعراض عن الحق بعد معرفته ؟ . فظهر أن ما ورد في الكتاب والسنّة في مدح هذه الأمة أو الصحابة ، فهو أيضاً من
[1] سورة آل عمران : 110 . [2] سورة آل عمران : 114 . [3] جامع الأصول 9 / 404 . [4] جامع الأصول 11 / 120 .