ومن جهة ، يعترف بأن سعد بن عبادة كان يطلب الولاية لنفسه ، وأن جماعة من الأنصار طلبوا تولية غير أبي بكر ، حتى أنه جعل يدفع هذا بقوله : « ففي الجملة : جميع من نقل عنه من الأنصار من بني عبد مناف أنه طلب تولية غير أبي بكر لم يذكر حجّة دينيّة شرعيّة ، ولا ذكر أن غير أبي بكر أحقّ بها وأفضل من أبي بكر ، وإنما نشأ كلامه عن حبّ لقومه وقبيلته ، وإرادة منه أن تكون الإمامة في قبيلته . ومعلوم أن مثل هذا ليس من الأدلّة الشرعيّة ولا الطرق الدينيّة ، ولا هو ممّا أمر اللّه ورسوله المؤمنين باتّباعه ، بل هو شعبة جاهليّة ونوع عصبيّة للأنساب والقبائل . وهذا مما بعث اللّه محمداً بهجره وإبطاله » [1] . قلت : وهل هذا إلا تفسيق لجماعة كبيرة من الصّحابة ؟ هذا ؛ ولا يخفى ما في هذا الكلام من الإقرار بأن الإمامة لا بدّ وأن تستند إلى حجّة دينيّة ، وأنه يعتبر فيها الأحقيّة والأفضليّة . ثم قال : « ومعلوم أن هذا العلم الذي عندهم بفضله وتقدّمه إنما استفادوه من النبي صلّى اللّه عليه وآله بأمور سمعوها وعاينوها ، وحصل بها لهم من العلم ما علموا به أن الصدّيق أحقّ الأمّة بخلافة نبيّهم وأفضلهم عند نبيّهم ، وأنه ليس فيهم من يشابهه حتى يحتاج في ذلك إلى مناظرة . ولم يقل أحد من الصحابة أن عمر بن الخطاب أو عثمان أو عليّاً أو غيرهم أفضل من أبي بكر أو أحقّ بالخلافة منه . . . . حتى أن أعداء النبي صلّى اللّه عليه وآله من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين يعلمون أن لأبي بكر من الاختصاص ما ليس لغيره ، كما ذكره أبو سفيان بن حرب يوم أحد . . . حتى أني أعلم طائفة من حذّاق المنافقين ممن يقول أن النبي صلّى اللّه عليه وآله كان رجلاً عاقلاً أقام الرياسة بعقله وحذقه يقولون : إن أبا بكر كان مباطناً له على ذلك ،