( النصب ) هو الإقامة والجعل ، قال اللّه تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) [1] ، فاللّه تعالى أوجدهم وجعلهم الأدلاّء عليه لطفاً ورحمة بالعباد ، كما تنصب الرّايات في الطرقات لاهتداء العابرين بها لطفاً ورحمة بهم . فحال الإمام حال الراية ، من خالف ضلّ ، ومن اهتدى بلغ الغاية . . ولا ملازمة حتى يقال : « فلم يحصل بمجرّد ذلك في العالم لا لطف ولا رحمة » . كما لا ينكر اهتداء أقوام من الناس بهم ، فقول ابن تيمية : « إن ما حصل تكذيب الناس لهم ومعصيتهم إيّاهم » كذب . فهذا سرّ التعبير ب ( النصب ) . ثم إن من الأئمة من حصل له التمكّن ومنهم من لم يحصل ، كما كان الحال بالنسبة إلى الأنبياء والمرسلين ، ومنهم من سيحصل له ذلك ، وهو المهدىّ المنتظر المتّفق على القول به بين المسلمين ، وبه فسّر قوله عز وجلّ : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ ) [2] ، وقوله : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَاديَ الصَّالِحُونَ . . ) [3] وغيرهما من آيات الكتاب ، حيث يحصل من وجوده وتصرّفه النفع العام للعالم كلّه ، كما كان إيجاده ونصبه إماماً لطفاً ورحمة بالعباد . مضافاً إلى أن طوائف من الناس انتفعوا به في غيبته في قضايا شخصيّة أو وقائع عامّة أثبتها المحدّثون الأثبات في كتبهم الخاصّة به . وبهذا المجمل يسقط قول ابن تيمية : « وأيضاً ، فالمؤمنون بالمنتظر لم ينتفعوا به ولا حصل لهم به لطف . . . » . قال قدس سره : فينقادون إلى أوامرهم ، لئلا يُخلي اللّه تعالى العالم من لطفه ورحمته . وأنه تعالى لمّا بعث رسوله محمداً صلّى اللّه عليه وآله قام بنقل الرسالة ، ونصَّ على أن الخليفة بعده علي بن أبي طالب ، ثم من بعده ولده الحسن الزكيّ ثم
[1] سورة الأنبياء : 73 . [2] سورة النور : 55 . [3] سورة الأنبياء : 105 .