وما لبثوا أن أقبلوا ، وصانع الشجرة يتقدمهم ، وما كادت الحكماء والجماهير تشاهده مقبلا حتى قابلته بعاصفة من التصفيق والهتاف ، فانحنى متقبلا هتافهم وخطبهم قائلا : لقد رأيتم بعيدا كل البعد أن شيئا من أشياء هذه الشجرة المادية أو الروحية ، هو الذي صنعها ، وقلتم يستحيل ذلك عقلا وعلما وتجربة ، بيد أنكم جميعا آمنتم بذلك وأذعنتم له تقليدا ووراثة وتلقينا وتعليما . المحتشدون : لا لا ، نحن لم نؤمن به ولم نذعن له ، إنما تلاميذك هؤلاء المحيطون بك ، هم الذين أعلنوا ذلك وتنادوا به . الداعية : إن تلاميذي أرادوا أن يقربوا لكم الحقيقة ، ويكشفوا لكم ما أنتم عليه ، من تقاليد ووراثات ، وتربيات وتلقينات تنافي واقع العلم والمعرفة ، أما تعلمون أن هذه الأرض التي نعيش فيها ، وهذا الفضاء الذي تسبح فيه الأجرام المترامية في أبعاده ، وهذه الأرواح والجاذبية والمغناطيسية وكل القوى الروحية ، والملائكة والجن . . . وكل ما تشاهدونه أو تقرؤن عنه من أشياء الوجود هي صنعة بين أيديكم تشاهدونها وتدركونها بحواسكم وعقولكم ، أما تدل هذه الكائنات على جلال صانعها وعظيم قدرته وأنه لا يشبهها ولا تشبهه في صفة ما ، وأنه وحده المهيمن عليها المسير لها ؟ ؟ نعم أنتم تعلمون هذا كل العلم ، ومع ذلك تقولون - تقليدا ووراثة - إن صانعها هو بعضها كما هو معلوم لكم . . . المحتشدون : محال أن نقول : إن بعض الصنعة هو الذي صنع كل الصنعة ، بل نتحقق من طريق العلم اليقيني والمشاهدة ، إن لكل صنعة صانعا هو سواها بلا ريب . الداعية : لا لا ، بل قلتم ذلك ، أما فيكم من يقول : ( نؤمن