ينال درجة الصابرين ) . ( إنما يوفى الصابرون أجورهم بغير حساب ) . ومن حكمه العالية وأسراره الكريمة تلطيف النفس وترقيقها ولفتها إلى النعم التي ألفتها وتربت في أحضانها من حيث لا تقيم لها وزنا ، فبسغب الجوع يفطن إلى لذة الشبع ، وبكظة العطش يتعرف قدر نعمة الارتواء ويستفزه ذلك إلى أنه محاط بالنعم من بارئه الكريم ، قائم قاعد في ظلها الوارف ، غارق في سكرة خمرتها . ومن ناحية ثانية يلفته إلى عجزه وضعفه وحاجته وفقره ، فلا يقدر أن يحتفظ بقواه إذا ما قدر عليه طعامه ، ولا يتسنى له ذلك إلا بيد غيبية وألطاف إلهية ، وقد يتغلغل به الفكر فيستطرد سائر مناحي حياته وعموم تقلباته ولحظاته ، فيراها خارجة عن قيد قدرته بعيدة عن الرضوخ لإشاءته ، وإنما هي مسخرة له من لدن لطيف خبير ، فيفئ إلى ذكره وينشط إلى شكره ويتحرى أن يكون قيد نهيه وأمره . وعلى هذا الأساس جاء في الحديث الكريم : ( لكل شئ باب وباب العبادة الصوم ) . ومن جهة ثالثة : يلفته بما يلازمه غالبا من ألم الجوع وعناء التعب إلى تعاسة حال الفقراء فيثير في نفسه الرقة والحنان فيبعثه على إسهامهم شيئا من أمواله يستعينون به على إصلاح شؤونهم ، ومن ذلك يكون له منهم أوداء مخلصين وأحباء صادقين يستغل خيرهم ويأمن شرهم . وعلى هذه النقطة تدور رحى نظام الحياة ، ومن أسراره القيمة أن يرتقي بنفسه من حضيض النفس البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية ، وذلك عالم له قيمته وله أثره ، في الخير والبركة وسعادة الحياة ورغد العيش . وضروري أن ذلك كله لا يكون للصائم إذا هو تدارك في فطره ما فاته ضحوة نهاره ، وربما زاد عليه في ألوان الطعام جريا على السيرة المتبعة عند