وتحول دون أن تسترسل بالمرء فتهوي به إلى مكان سحيق ، وتهبط في كرامته إلى درجة الصفر ، وتميت فيه روح الطموح إلى العز والاشتياق إلى المعالي ، والتحبب إلى غرر المآثر وترتاد له المرعى الوبيل ، وتورده موارد الذل . أجل وما من فساد يحيق في العالم إلا وهي زناده القادحة ويده العاملة ، فإذا لم يكبح جماحها ويضيق عليها الخناق بالارتياض والرقابة الدقيقة فتنقهر لسلطان الإرادة الإنسانية والعقل الشريف تلتهب نارا يتطاير شررها ويتعاظم ضررها . وإن من أنجح الوسائل إلى ذلك ( الصوم ) تطمح نفس الصائم إلى ما كانت تعودته من ذي قبل من ملاذ فيردها قسرا ويوسعها زجرا ، وإن من شأنها أن تتصاغر لدى الجد وتقف قبالته على حد ، فإذا رأت الصرامة في العزم انقادت إليه طائعة وصغت لأمره سامعة ، وهي معتادة لما عودت عليه ، فإذا اعتادت الانقياد للإرادة رسخت فيه قدما وارتاحت له نفسا ، ومشت على ضوئها مسيرة لما خلقت له ، وناهيك بها ثمرة طيبة وغاية كريمة لو لم يكن للصوم إلاها لكفى . وفي الحديث والسنة الشريفة الشئ الكثير مما يعبر عن هذا المعنى بأساليب رائعة ، ( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) . فأبواب الجنة العقل الشريف والإرادة الإنسانية المماشية له جنبا لجنب وأبواب النار المغلقة والشياطين المصفدة الشهوات تخضع لحكم العقل وتنقاد لسلطانه وتسخر لإشاءته . ومن ثمراته الطيبة التمرن على الصبر حتى يكون ملكة راسخة في النفس تستمد منها الثبات وترتاد منها القوة وتدرع بها حيث تصدمها الحوادث وتنكبها الأيام ، والصبر جناح العز وسلاح الظفر ووسيلة الفوز والنجاح . وفي الحديث الشريف : ( الصوم نصف الصبر ، والصوم نصف الإيمان ، وحسب الصائم أن