قلت : قد قلنا بإمكان صيرورة الخوف سببا للغيبة ، ولم نقل بوجوب السببية إلى جميع الأئمة ( عليهم السلام ) ، بل ربما يكون المصلحة بالنسبة إلى بعضهم الاصرار في امتناع بيعة الظلمة وتعرض الشهادة ، وبالنسبة إلى بعضهم المسالمة والتقية ، وبالنسبة إلى بعضهم الغيبة . وبالجملة بعد العلم بمرتبة الإمامة التي هي كمال العلم والعصمة - كما أومأت إليه وسيظهر إن شاء الله تعالى - يظهر أن كلما يفعله كل واحد من الأئمة إنما يفعله للامتثال بما أمره الله تعالى به ، وأخبره به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن عمل كل واحد منهم على وفق ما كلف به ، واختلاف الأئمة في السلوك عند أهل الحق كاختلاف الأنبياء فيه ، فكما جاز اختلاف الأنبياء في السيرة باعتبار وجوه ومصالح أعلمها الله تعالى إياهم مع خفاء أكثرها علينا ، يجوز اقتضاء مصلحة أعلمها الله تعالى الأئمة ( عليهم السلام ) اختلاف سلوكهم في مراتب التقية . ومع كفاية الاجمال في أمثال هذه الأمور نقول : يمكن أن يكون ختم الإمامة بالحجة المنتظر من آل محمد ( عليهم السلام ) سببا للغيبة ، لأن ظهوره ربما أثمر الشهادة قبل أوانها ، واستلزامها هلاك أهل العالم ، لامتناع خلو الزمان من الحجة ، كما يدل عليه بعد دلالة العقل قوله ( صلى الله عليه وآله ) " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " [1] . فإن قلت : في هذا الزمان الذي حصلت الغيبة فيه ما يصنع المكلفون ؟ فما يفعلونه عند غيبته ( عليه السلام ) يمكن فعله عند عدم الحجة ؟ قلت : لو كان استدلالنا على حاجة الإمام ووجوده بامتناع التكليف بدونه ، لكان لكلامك موجها ، لكن كلامنا في وجوب تعيين الإمام من الله تعالى ، لوجوب هذه المرتبة من اللطف ، وشهادة كيفية خلقة الإنسان والحيوانات على ذلك ،