الدؤلي قال : كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه ، فنزلت به الربذة ، فقلت له : ألا تخبرني خرجت من المدينة طائعا أو أخرجت ؟ قال : أما أني كنت في ثغر من ثغور أغني عنهم ، فأخرجت إلى مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : دار هجرتي وأصحابي ، فأخرجت منها إلى ما ترى . ثم قال : بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : فضربني برجله وقال : لا أراك نائما في المسجد ، فقلت : بأبي أنت وأمي غلبتني عيني فنمت فيه ، فقال : كيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ فقلت : إذا ألحق بالشام فإنها أرض مقدسة وأرض بقية الإسلام وأرض جهاد ، فقال : كيف بك إذا أخرجوك منها ؟ فقال قلت : أرجع إلى المسجد ، قال : كيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ قلت : آخذ سيفي فأضرب به ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ألا أدلك على خير من ذلك انسق معهم حيث ساقوك وتسمع وتطيع ، فسمعت وأطعت وأنا أسمع وأطيع ، والله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي ، وكان يقول بالربذة : ما ترك الحق لي صديقا ، وكان يقول فيها : ردني عثمان بعد الهجرة أعرابيا . والأخبار في هذا الباب أكثر من أن نحصرها ، وأوسع من أن نذكرها ، وما يحمل نفسه على ادعاء أن أبا ذر خرج مختارا إلى الربذة إلا مكابرة ، ولسنا ننكر أن يكون ما أورده صاحب الكتاب من أنه خرج مختارا قد روي ، إلا أنه في الشاذ النادر ، وبإزاء هذه الرواية الفذة كل الروايات تتضمن خلافها ، ومن تصفح الأخبار علم أنها غير متكافأة ، على ما ظن صاحب الكتاب . وكيف يجوز خروجه عن تخيير ؟ وإنما أشخص من الشام على الوجه الذي أشخص عليه ، من خشونة المركب وقبح السير للوجد عليه ، ثم لما قدم منع الناس من كلامه ، وأغلظ عليه في القول ، وكل هذا لا يشبه أن يكون أخرجه باختياره إلى الربذة ، وكيف يظن عاقل أن أبا ذر يحب أن يختار الربذة منزلا ؟ مع جدبها وقحطها