سخيفة لا يحتاج إلى نقلها [1] . وبعد التأمل فيما ذكرته يظهر لك غاية جهل علماء نسبوا عمر بهذه الزلة القطعية إلى العلم ، ومع هذا نقول : هل يجوز عاقل أن يرسل الله تعالى جبرئيل إلى رسوله ببشارة ، أو يلهمه البشارة التي يجب كتمانها أو يترجح ولا يعلمه به ؟ مع علمه تعالى بأنه لا يعلمه بحسب العقل ويعلمه عمر بجودة فهم أعطاه إياها ، حتى يظهر منه هذه الإهانة والخفة ، نعوذ بالله من أمثال هذه الظنون التي لا تليق بأحد ممن كان في أدنى مراتب العقل . وأيضا المفسدة التي زعمها عمر ترك العمل بعد علمهم بالبشارة وشاع هذا الخبر ، كما يظهر للمتتبع ، ولم يترتب ما زعم ترتبه عليه ، فبأي سبب بقي اعتقادهم بكمال عقله ولم يحصل فتور في عقيدتهم ؟ عدم العلم بخلافته : ومنها : أنه لم يعلم خلافته ، على ما نقل عبد الحميد بن أبي الحديد عند نقل كلامه حيث قال : قال عمر يوما والناس حوله : والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكا فلقد ورطت في أمر عظيم ، فقال له قائل : يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا ، وأنك إن شاء الله لعلى خير ، قال : كيف ؟ قال : إن الخليفة لا يأخذ إلا حقا ، ولا يضعه إلا في حق ، وأنت بحمد الله كذلك ، والملك يعسف الناس ويأخذ مال هذا فيعطيه هذا ، فسكت عمر وقال : أرجو أن أكونه [2] . وظهر منه شكه في الخلافة ، ولا معنى لحمل كلامه على الانكسار ، لأنه مع عدم جواز إظهار الشك في الخلافة مع علمه بها ، يدفع الاحتمال القسم على الشك بقوله
[1] دلائل الصدق 3 : 491 عنه . [2] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 : 66 .