رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تنفيذ الجيش ، وغاية الاهتمام في المنع عن التخلف ، دليل على انتفاء المحبة التي ادعوها ، وإلا فكامل المحبة لا يترك امتثال أمر من يحبه والانزجار عما زجره ، وإن كانا خلاف هوى نفسه ، والراجع إلى الوجدان يعرف صدق المقال . وأيضا صاحب هذه المحبة كيف يمنع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عما أراده من الكتابة ، ويعبر عنه ( صلى الله عليه وآله ) بالرجل ، وينسبه إلى الهجر مشافهة ؟ وظني أن أكثر الأعداء لم يكونوا قادرين على هذا التعبير والنسبة مشافهة لمنعهم الحياء عنهما . وأما شدة المصيبة ، فلم يظهر منه أثرها ، بل ظهر منه خلافه ، لأن ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على تلك الحال وتوجهه إلى السقيفة مع الاهتمام في تعجيل الأمر والمغالبة والحيلة لا يليق بعضها بأرباب المصيبة ، فكيف كلها . ولو كان تأثر من المصيبة تأثرا زائدا عن المعتاد على ما ادعوا ، ولم يكن غرضه من حضورها غصب الخلافة ، كان الواجب عليه أن يقول بعد حضورها : أن هذه المصيبة أشد المصائب ، كما أن من انتقل إلى عالم القدس أشرف ما خلق وما يخلق وأعظمهما ، فالواجب أولا الاشتغال بتجهيزه ، وبعد الفراغ عنه واجتماع العقول من الاضطراب وأربابها في موضع مناسب التكلم في أمر الخلافة والسلطنة ، لعدم احتياج العلم بقباحة ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والاشتغال بنصب الخليفة إلى مزيد إدراك . وأيضا لو أخرجته المصيبة عن إدراك الواضحات ، كان يجب أن يظهر منه التشويش في المقال والضعف في الحيل ، ولم يظهر منه شئ من ذلك في السقيفة ، بل الناظر إلى أحواله وأحوال أخيه في السقيفة من التدبيرات والحيل يعلم أنهما كانا منتظرين لهذا . ويدل على ما ذكرته قوله في أمر السقيفة " أتيناهم وقد كنت زورت في نفسي كلاما أريد أن أقوم به إليهم " لأن هذا التزوير : إما أن صدر عن عمر قبل المصيبة ، أو بعدها ، فإن كان قبلها فهو الانتظار ، وإن كان بعدها فهذا التزوير ينافي شدة