نقل عبد الحميد بن أبي الحديد كلام السيد الجليل في شناعة ما صدر من عمر في حج التمتع ، ثم قال : فأما متعة الحج فقد اعتذر عمر لنفسه وقال : ما قدمنا ذكره من أن الحج بهاء من بهاء الله ، وأن التمتع يكشفه ويذهب نوره ورونقه ، وأنهم يظلون معرسين تحت الأراك ، ثم يهلون بالحج ورؤوسهم تقطر ، وإذا كان قد اعتذر لنفسه فقد كفانا مؤونة الاعتذار [1] انتهى . هذا الاعتذار لا معنى له أصلا ، لأن كيفية الصلاة والحج وأمثالهما لا يتوهم كونها اجتهادية ، فهذا البيان من الله تعالى بلا شائبة ريب ، فالراد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) راد على الله إن علم كونه من الله ، وإن لم يعلم كونه من الله : فإما أن يعلم جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هذا الأمر منسوبا إلى الله تعالى ويجوز كذبه ( صلى الله عليه وآله ) أو يتوهم هذا الأمر اجتهاديا وما يقتضيه ، الاحتمالان الأولان لا يحتاج إلى البيان ، والثالث مع أنه غير محتمل في نفسه وبحسب سياق كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أيضا اعترف به ابن أبي الحديد بتقريب حكاية التخلف عن جيش أسامة . حيث قال : وأن الذي ينافي الاجتهاد بالرأي هو مثل فرائض الصلاة ومقادير الزكوات ومناسك الحج ، ونحو ذلك من الأحكام التي تشعر بأنها متلقاة من محض الوحي ، وليس للرأي والاجتهاد فيها مدخل [2] انتهى . فلعله في مبحث التخلف غفل عماد ذكره هاهنا وتكلم بمقتضى العقل ، أو عدل عما ذكره هاهنا وتكلم بالصواب . فإن قلت : الروايات المذكورة إنما تدل على قوله برأيه في متعة الحج لا في الآخرين . قلت : وإن كان سياق الرواية دالا على قوله برأيه في الكل ، لكن بيان كون مراده ما
[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 : 255 - 256 . [2] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17 : 188 .