أحدهما في مدة الجهاد مع حضورهما في أكثر الغزوات المبارزة التي نقلت من الفرسان والمقاتلة التي ظهرت من الشجعان ، وغاية ما يتوقع منهما عند اللقاء والتحام الحرب تكثير السواد ، وعدم المسابقة في الهرب : فلن يترتب على كونهما في الجيش أكثر من تكثير السواد ، بخلاف تخلفهما عن الجيش ، لاستنباطهما من شدة مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد تتابع أمارات قرب الانتقال مثل قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وحديث الغدير وإكمال الدين ، قوة احتمال انتقاله ( صلى الله عليه وآله ) إلى عالم البقاء ، والاحتياج إليهما في تدبير أمر الإسلام والإيمان ، لكونهما من كمل أصحاب الآراء والمجتهدين ، كما يظهر من اجتهاد أحدهما في تغيير كثير مما أمر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واستمر به زمانه ( صلى الله عليه وآله ) فانظروا أيها المسلمون هل منفعة تكثير سواد الشيخين تقابل منفعة تدبيرهما ؟ مع حصول مثل سوادهما من كل اثنين ، وعدم ظهور البدل لهما في الآراء من البين ، فظهر أن التخلف إنما هو من كمال فطنتهما وتأملهما في أمر الإسلام . قلت : فما ظنك برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هل كان غافلا عن احتمال الانتقال ؟ مع ظهوره للرجلين بل للناس ، بما ظهر من الأقوال والحال ، أو عن جبانة الرجلين مع امتحانهما في المدة المتمادية ، أو عن التدبير الذي نسبته إليهما . ولا يليق أن ينسب إلى أحد من المنتسبين إلى المعرفة والكمال عدم العلم بحال من كان معه في عشر تلك المدة ، مع تواتر أسباب ظهور الحال ، فكيف يجوز أن ينسب عدم الاطلاع إلى من هو أعقل الناس عند الكفار والأعداء ، وإذا لم ينسب إليه ( صلى الله عليه وآله ) غفلة شئ من الأمور المذكورة ، فلم يبق إلا أن يكون عنده ( صلى الله عليه وآله ) مصلحة الإسلام في خروج الرجلين عن المدينة وعدم حضورهما ، لو فرض عدم شهادة القرآن على أنه لا ينطق عن الهوى . وإذا كانت المصلحة في خروجهما بدلالة جعلهما في جيش أسامة ، والمبالغة التامة