إلى ذلك ، واختبأها ضغنا علي في قلبه ، ولم آمن غائلته ولو بعد حين ، مع ما بدا لي من كراهية الناس ، أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي : لا نريد سواك يا أبا بكر أنت لها ، فرددتها عليه ، فعند ذلك رأيته وقد التمع وجهه لذلك سرورا . ثم ذكر فيها ما جرى بين عمر وأشعث بن قيس ، من أحقية عمر بالأمر ، ونقل أشعث إلى الزبرقان بن بدر ، ونقله إلى أبي بكر ، إلى أن قال : فأرسل إلي أبو بكر بما كنت أحق به ممن غلبك عليه من الكلام ، فأرسلت إليه أما والله لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس ، يحملها الركبان حيث ساروا ، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفوا ، فقال : إذا نستديمها على أنها صائرة إليك . فما ظننت أنه يأتي عليه جمعة حتى يردها علي ، فتغافل فما ذكر لي والله بعد ذلك المجلس حرفا حتى هلك ، ولقد مد في أمدها ، عاضا على نواجذه ، حتى حضره الموت فآيس منها ، فكان منه ما رأيتما ، ثم قال : اكتما ما قلت لكما عن بني هاشم خاصة ، وليكن منكما بحيث أمرتكما إذا شئتما على بركة الله ، فمضينا ونحن نعجب من قوله ، والله ما أفشينا سره حتى هلك [1] انتهى . وبما نقلته ظهر أن قصد المغالبة لم يكن مقصورا على غير الرجلين ، بل كان مدار الأمر على المغالبة ، فكانت المغالبة بينهما أيضا ، وأن ما ذكره القاضي لا وجه له ، وأي وجه للأمر بقتل المعاود في الفلتة ؟ بعد ما بايعوا فلتة ، ولم يستحقوا القتل ، وأي دليل على جواز قتل المعاود وعدم جوازه للمبتدأ ؟ بل صيرورتها ابتداء سببا للخلافة ، وهل هذا إلا تناقض بين أفعالهم وأقوالهم .