ما قالاه في الطريق ، وتصويبه المغيرة في نسبة الحسد إلى قريش ، وزيادة المبالغة في حسدهم . حيث قال : ألم أخبركما بأحسد قريش ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ، وظن أبو موسى أن مقصوده من أحسد قريش الجماعة الذين كرهوا استخلاف عمر ، فقال : كلا بل كان أبو بكر أعق وأظلم ، هو الذي سألتما عنه ، كان والله أحسد قريش كلها . ثم أطرق طويلا ، فنظر إلي المغيرة ونظرت إليه ، وأطرقنا لإطراقه ، وطال السكوت منا ومنه ، حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه ، ثم قال : وا لهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة ، لقد تقدمني ظالما وخرج إلي منها آثما ، فقال له المغيرة : هذا الذي تقدمك ظالما قد عرفنا ، فكيف خرج إليك منها آثما ؟ قال : ذلك لأنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها ، أما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشئ أبدا ، ولكني قدمت وأخرت وصعدت وضويت ونقضت وأبرمت ، فلم أجد إلا الاغضاء على ما نشب منه فيها ، والتلهف على نفسي ، وأملت إنابته ورجوعه ، فوالله ما فعل حتى فغر بها بشما . فقال له المغيرة بن شعبة : فما منعك منها وقد عرضها عليك يوم السقيفة بدعائك إليها ؟ ثم الآن منتقم بالتأسف عليه . فقال : ثكلتك أمك يا مغيرة إني كنت لأعدك من دهاة العرب ، كأنك كنت غائبا عما هناك ، أن الرجل كادني فكدته ، وماكرني فماكرته ، وألفاني أحذر من قطاة ، إنه لما رأى شغف الناس به ، وإقبالهم بوجوههم إليه ، أيقن أن لا يريدوا به بدلا ، فأحب لما رأى من حرص الناس عليه وشغفهم به أن يعلم ما عندي ، وهل تنازع إليها نفسي ؟ وأحب أن يبلوني بإطماعي فيها والتعريض لي بها ، وقد علم وعلمت لو قلت ما عرض علي منها لم يجبه الناس إلى ذلك . فألفاني قائما على أخمصي ، متشوزا حذرا ، ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس