ما أبهم عليكم وأنا الحجة البالغة والمِحجّة الواضحة فأعيروني أسماعكم وتوجهوا إليّ بقلوبكم : اعلم أيها الجاثليق أنت وقومك إن الله وله الحمد بمنّه وطَولِه وفضله ، وفّى لنا بوعده ، وأعزّ دينه بنبيه محمد ( ص ) على فترة من الرسل ، وحباه بالنصر وشتت شمل أحزاب العرب ، واختاره وانتجبه وبعثه للخلق جميعاً إنسهم وجنّهم ، وأوجب طاعته عليهم ، ومنحه بالرأفة والرحمة ، وفضّله على جميع الأنبياء والمرسلين ، وألزم بِاتِّباعه عامة المخلوقين مِن أهل السماوات والأرضين ، وجعله خاتم الأنبياء ووارث علومهم ، وقرّبه من قاب قوسين أو أدنى وجعل عن يمين عرشه مقامه لم يصله نبي مرسل ولا ملَك مقرّب ، وأوحى إليه ما أوحى ، وما كذّب الفؤاد ما رأى ، وأخذ على الأنبياء العهد والميثاق بأن يأمنوا به وينصروه ، بعد أن شاهدوا مقامه مِن الله ، ورفيع منزلته عنده ، وأوحى إلى الرسل بعد أن أخذ الميثاق عليهم أَقْرَرتم وأخذتم على ذلك إصري ؟ قالوا : أقررنا فأشهدوا إنّا معكم من الشاهدين ، وقال سبحانه تعالى ( يَجِدُونَه مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ في التَّوْراة وَالأِنْجيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعْروفِ وَيَنْهاهُم عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُم الطَّيِّبّاتِ ) ، واعلموا إنّه لم يفارق رسول الله هذه الدنيا إلا بعد رفع الله مقامه ، وأعلى على العالمين درجته وأتمّ به الحجة على الخلق ، وقرن اسمه باسمه ، فلا يذكر الله تعالى في موضع إلاّ واسمه به مقرون ووصلَ طاعته بطاعته ، فقال ( مَنْ يُطِع الرَّسولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ( وقال ( مَا أتاكُم الرَّسُولَ فَخُذُوه ومَا نَهاكُم عَنْهُ فَانْتَهوا ( فبلّغ الرسالة ودلّ الأمة على سبيل النجاة والهداية والحكمة ، وصدع بما أُمِر به ، وبه بشّرت الأنبياء السابقون والمسيح عيسى بن مريم بشّر به