( فإننا لا نستبعد أنّه - البخاري - حاول الرواية عن رجال البيت النبوي واستعصى ذلك عليه بسبب ما كان يضربه الحكّام حول أفراد هذا البيت من سياج منيع ليحولوا بينهم وبين اتصال طلاّب العلم بهم ، ونحن نعرف مدى اضطهاد الحكّام لهم وحقدهم عليهم ) [1] . ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل قاسى الشيعة أنواع العذاب والحصار سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً ، فقد استعمل المتوكّل عمر بن الفرج الراجي على مكّة والمدينة ، ومنع هذا الرجل كلّ طالبي أن يسأل غيره ، حتّى في معيشته ، وبلغ بهم الحال إذا سمع الوالي أحداً أحسن إليهم نكّل به ليكون عبرة لغيره . وكتب المنتصر إلى عمّاله : من كان بينه وبين أحد من الطالبيين خصومة فاقبل قوله بدون بيّنة ، ولا تقبل لطالبي بيّنة أو قولاً [2] . وحتّى في العصور المتأخّرة ، فهذا نوح الحنفي يكفّر الشيعة واستباح دمهم تابوا أم لا ، وعلى أساس ذلك قُتل أربعون ألف شيعي [3] . وفي عام 407 قتل المعز بن باديس بأفريقيا خلقاً كثيراً من الشيعة ، ونهبت دورهم ، وانتهكت أعراضهم ، وحاصروهم حتّى قتلوهم عن آخرهم ، كما حدّث ابن الأثير بذلك [4] . وفي تركيا قتل السلطان سليم ( المتوفى 926 ) من الشيعة خلقاً كثيراً ، وأمر بقتل كلّ من ينتسب إليهم ، على حدّ تعبير طبيب الجيش التركي [5] . هذا الإعلام الشيعي الذي جعله الكاتب ركناً أساسياً لتركيز النظريّة الشيعيّة ، ولعمري أصبح هذا الرجل كحاطب ليل في طرحه ، حيث خالف أهم مقوّمة من
[1] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : المقدمة ، ص 18 . [2] الخطط للمقريزي : ج 4 ، ص 153 . [3] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : مج 1 و 2 ، ص 242 . [4] المصدر السابق نقلاً عن الكامل في التاريخ : ج 9 ، ص 123 ، الطبعة الأولى . [5] مصباح الساري ونزهة القاري : ص 123 - 124 .