الإمام في الأمّة ، والقضاء على الإمامة الإلهيّة . المرحلة الثانية : وبعد فشل تلك النسبة إلى الأئمّة توجّه أُولئك المنحرفون إلى الشيعة ليغيّروا الهجمة ويبدّلوا طرف المواجهة ، فجعلوا طرفهم الجديد هم أصحاب الأئمّة ، وهكذا بدأت الهجمة على الشيعة بعدما فشلت على الأئمّة أوّلاً ، وانبرى علماء الشيعة لمواجهة ذلك بفتاوى وأقوال صريحة . فقال الشيخ المفيد : ( إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يكون قبل كونه ، وأنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل حدوثه ، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلاّ وهو عالم بحقيقته ، وأنّه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وبهذا اقتضت دلائل العقول والكتاب المسطور والأخبار المتواترة من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهو مذهب جميع الإماميّة ) [1] . وقال الشيخ الطوسي : ( إنّ الله تعالى عالم ، بمعنى أنّ الأشياء واضحة له حاضرة عنده ، غير غائبة عنه ، بدليل أنّه فعل الأفعال المحكمة المتقنة ، وكلّ من كان كذلك فهو عالم بالضرورة ) [2] . وهكذا قال السيّد المرتضى والعلاّمة والحلّي وغيرهم [3] . فسدّ علماء الشيعة باب حجّة المنحرفين بأنّ الشيعة تنسب الجهل إلى الله تعالى بذريعة البداء ، وجاء الكاتب في القرن العشرين ، وبلا بحث وتحقيق ، ليجعل من البداء مشكلة تعيشها الشيعة [4] . ونبع هذا الكلام من جهل تام بمعنى البداء في الفكر الإسلامي ، وليس الشيعي فحسب ، والدليل على ذلك ، أنّه جاء في صحيح البخاري عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « إنّ ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى ، بدا لله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً ، فأتى
[1] أوائل المقالات : ص 54 - 55 . [2] الرسائل العشر : ص 94 ، المسألة السادسة . [3] الذريعة : ج 1 ، ص 128 ؛ كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد : ص 310 . [4] أحمد الكاتب ، تطوّر الفكر السياسي : ص 106 .