المفردات له استعمالات متعدّدة ومنها ( تصيير الشيء على حالة دون حالة ) [1] ، وهذا ما أكّده جملة من المفسرين ، كالرازي في التفسير الكبير [2] والآلوسي في روح المعاني [3] ، وعندما يقارن هذا الجعل بما يناظره من الموارد في القرآن الكريم نجد أنّه يفيد معنى السنّة الإلهيّة كقوله تعالى : ( جعل لكم ممّا خلق ظلالاً ) و ( وجعل القمر فيهنّ نوراً ) ونحوهما . ثانياً : إنّ هذا الخليفة ليس هو مطلق الإنسان فيكون من قبيل قوله تعالى : ( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ) [4] . وإنّما المقصود به إنسان بخصوصه ، وذلك بقرينة الآيات اللاحقة التي أثبتت أنّ هذا الموجود الأرضي إنّما استحقّ الخلافة الإلهيّة لأنّه عُلِّم الأسماء كلّها مباشرة منه تعالى : ( وعلّم آدم الأسماء كلّها ) ، ثمّ صار واسطة بينه تعالى وبين ملائكته ( يا آدم أنبئهم بأسمائهم ) ومن الواضح أنّه لا يمكن أن يراد به كلّ انسان ، حتّى أُولئك الذين عبّر عنهم القرآن الكريم ( أُولئك كالأنعام بل هم أضل ) [5] ، إذن فهذه الآية تدل على ضرورة استمرار الخلافة الإلهيّة ، أمّا من هو ذلك الخليفة في كلّ زمان فله بحث آخر ، سنعرض له لاحقاً . الآية الثانية : قوله تعالى لإبراهيم الخليل ( عليه السلام ) : ( إنّي جاعلك للناس إماماً ) [6] ، وهذه الإمامة هي غير النبوّة والرسالة التي كانت لإبراهيم ( عليه السلام ) والشاهد على ذلك : 1 - « طلب الإمامة للذريّة حيث قال : ( ومن ذرّيتي ) ، ومن الواضح أنّ حصول إبراهيم ( عليه السلام ) على الذريّة كان في كبره وشيخوخته ، كما قال : ( الحمد لله الذي وهب لي
[1] المفردات في غريب القرآن : ص 94 ، مادّة « جعل » . [2] التفسير الكبير : ج 2 ، ص 165 . [3] روح المعاني : ج 1 ، ص 220 . [4] فاطر : 39 . [5] الأعراف : 179 . [6] البقرة : 124 .