وربما يلاحظ عليّ بعض إخواننا أنني أطرح القضايا وأثير التساؤلات في الهواء الطلق ، ويعتبرون أن بعض الأفكار المطروحة قد تصدم الذهنية العامّة المتوارثة ، ويرون أن ذلك خطا ، لأنه يولّد جدلا ومشاكل تضعف عقائد الناس " [1] . ثم بدأ يستدل على صوابية موقفه بأن القرآن قد طرح أفكار المشككين في النبي ، كقولهم ساحر ، مجنون ، وكاذب ، ثم قال : " ولو أن كل مصلح أو عالم أخفى أفكاره عن الناس ، فكيف ستصل الحقيقة إليهم " [2] . نعم ، لقد قال هذا البعض ذلك ، مع أن القرآن إنما ذكر أقوال المشركين في مقام الإنكار والتهجين لها ، هذا مع أنها ليست أفكارا وإنما هي شتائم . ثم إن ذلك البعض خاطب الناس بقوله : " لا تبيعوا عقولكم لأحد ، ولا تبقوا على جمودكم على غرار ما ذكرته الآية الكريمة : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) ( الزخرف 13 ) ، لأن كل جيل يجب أن ينفتح على الحقيقة وفق ما عقله وفكر به " . ولكن قد فات ذلك البعض أن عدم إشراك العامّة في البحث الفكري والعقائدي - عند القائلين بذلك - إنّما هو في مرحلة التحقيق ، لا في إطلاعهم على النتائج ، ولا يلتزم القائلون بهذا القول ، بعدم إشراك جميع الناس في ذلك ، بل يقتصرون على من ليس عندهم الأهلية للتحقيق . وهذا لا ينطبق على الأمور الفكرية والعقائدية فقط ، وإنما على جميع العلوم ، فلا يُتوقع أو يُطلب من باحث الطبّ أن يشرك أو يُطلع جميع الناس على تدرجه في البحث مرحلة فمرحلة ، ولا الباحث الفيزيائي ، ولا سواه في أي علم من العلوم ، فلا معنى لقول البعض : " لو أن كل مصلح أو عالم أخفى أفكاره عن الناس ، فكيف ستصل الحقيقة إليهم " . فإنّ ثمرة جهد الباحثين والمحققين ستصل إلى الجميع ، وتكون مشتركة بينهم ، وتعمّهم فائدتها .
[1] بينات العدد الصادر بتاريخ 25 - 10 - 1996 . [2] المصدر السابق .