نام کتاب : حوار في العمق من أجل التقريب الحقيقي نویسنده : صائب عبد الحميد جلد : 1 صفحه : 90
وأيضا فإن المؤرخ نفسه هو واحد من أولئك البشر ، يعيش في عصر من الأعصار . . وللبشر ميول ، ولكل عصر لونه ونغماته . وحين يكون عصر من العصور قاسيا في مواجهة ما لا يتفق ونغماته ، فإنما جاءت قسوته من أناسه ، فالمؤرخ يكتب حين يكتب وهو يرى عيون الناس وكأنها ترصد أفكاره ، وتحصي عليه حتى ما لم يرد بحسبانه ! ففي أحوال كهذه هل يبعد أن يكون المؤرخ مسوقا من حيث يدري أو لا يدري لواحدة أو أكثر من تلك المؤثرات الواقعية ؟ إنه عندئذ سوف يقتطع من الحقيقة التاريخية أجزاء مساوية لمقدار ذلك الانسياق . ولعل هذا هو أضعف الأخطار الثلاثة التي قد تتعرض لها الحقيقة التاريخية . - أما الخطر الثاني : فيتمثل بالانسياق التام لنغمات العصر وأهواء أهله . - وأما الخطر الثالث : فيتمثل في كون المؤرخ نفسه من أصحاب الأهواء الذين لا يقبلون إلا ما وافق أهواءهم ، ولا ينظرون إلى الأحداث إلا بمنظار الهوى . بعد هذا ، فإن التاريخ الذي سيكتبه هذا المؤرخ أو ذاك سوف يصبح مصدرا لثقافة الأجيال ، تستقي منه رؤيتها للتاريخ ، والتي ستساهم مساهمة فعالة في صياغة عقائدها . فحين يجتمع الناس على واحد من هذه المصادر التي استجابت لبعض تلك المؤثرات على حساب الحقيقة التاريخية ، فمن البديهي أن تحمل أذهانهم برؤى مغايرة للحقيقة . ومن هنا تتسرب العقائد الدخيلة إلى الأذهان ، فيعتقد الناس بأشياء ومفاهيم ليست هي من الإسلام ومفاهيمه الحقة ، وهم يظنون أنها الحق .
90
نام کتاب : حوار في العمق من أجل التقريب الحقيقي نویسنده : صائب عبد الحميد جلد : 1 صفحه : 90