ومن أجل الحقيقة ، فإن مثل هذا الخطاب البالغ العمق يعتبر جديداً كل الجدة في تاريخ الفكر الإنساني ، وهو ما قد يكون عذراً للقرآن ، في عدم إلمامه بهذا الخطاب ، لو كان القرآن نصاً ناتجاً عن التراكم المعرفي للإنسان فحسب ، وهي النتيجة التي ترتعد لها الفرائص هنا . ليس لي كبير اهتمام هنا بما ورد وما فات في القرآن ، ولكنني رأيت أن القرآن والخطاب الإسلامي ككل ، هو الذي أسس للبنية العقلية للإنسان العربي ولذلك اضطررت لاستحضاره في هذا المقال . ساق القرآن ، وهو النص الأسمى للإسلام ، الكثير من المحاذير الخاصة بحرمة الفرج الذاتي ، وحرمة الفرج الآخر ، وحدد لتلك الحدود والعقوبات ، وللأخرى مثلها بل وزاد ، وجعل يقص القصص الطوال ، التي تبين عظيم شأن الفرج وحرمته . وأنا أستغرب يا غشمرة . . لم كل هذا الاهتمام بالفرج ؟ ! هل الأمر مجد إلى هذه الدرجة ؟ ! هل انتهت مشاكل الإنسانية ؟ ! هل للفرج وحرمته دلالة على إنتاج الإنسان وأخلاقه ووجوده ؟ ألا يجوز لي التساؤل عن أمور أراها أنا أهم ، وأرى القرآن قد تجاوزها بكل بساطة ؟ لا تحدثني عن العقل ! هات ما لديك عن حرمته ، والحفاظ عليه من الاعتداء . . وهات الحدود التي تدرؤها الشبهات والتعزيرات والعقوبات المترتبة على هتك الحرمة العقلية . ليس ذاك فحسب ، بل إن النص أراه براغماتياً بشكل غريب . فهو يدعو للعقل وإعماله ، فقط عندما يتعلق الأمر بمزيد من الترسيخ للثوابت ، ويطالب بتعطيله إن أمكن ، إن كان إعماله يهدد الثوابت سابقة الصب . يا غشمرة . . . ما دعاني لكل ذلك ، هو ما أراه من تقديس لحرمات الفروج ، مقابل تدنيس لحرمات العقول . وأنت إن ضربت في البلاد العربية ، رأيت بأم عينك كيف يكون للفرج حرمة ، وكيف تكون انتهاكات العقول .