والعجيب قياسه ( قده ) تلك الأمثلة بفعل النائم والعابث والساهي . فإن النائم قد انقبض عنه الشعور والإدراك وهو لا يشعر الفعل وما يترجح به الفعل ، والعابث لا عناية لا بالترجيح والمرجح وإنما هو عابث يرتكب القبيح ، فيذم ويوبخ عليه وعلى عدم عنايته بالمرجح . فليس لفعل العابث مرجح بحسب الواقع وعند العابث أيضا . فأين هناك المرجح الذي خفي على العابث الذي لا عناية له بالمرجح أصلا ؟ ! فالمتحصل في المقام أن المرجح هو الغاية الحسنة الحكيمة يقصدها الفاعل ويأتي الفعل لأجلها . ثم إن المرجحات ، كائنة ما كان ، مع جميع أنحائها وأنواعها ، ولو كانت في نهاية التأكد والوجوب ، واقعة في طول القدرة والمالكية . ولا تنفعل القدرة والمالكية بتلك المرجحات ، بل القدرة حاكمة عليها ونافذة في الفعل والترك على حد سواء بحسب التكوين قبل الفعل وبعده أيضا . فاتضح من جميع ما ذكرنا أنه يكفي في الترجيح وجود مصلحة وحكمة في الفعل أو الترك ، بحيث لا يكون الفاعل عابثا ولا لاغيا في فعله أو تركه . والقدرة في عين تأثيرها في صدور الفعل عن المرجح باقية على حالها على ضد الفعل ونقيضه . إذا تقرر ذلك فنقول : إن ملاك الترجيح في الأمور المترجحة الوجودية وكذلك الفعل ونقيضه ينتهي إلى المالكية الذاتية في مرتبة ذات الفاعل . وربنا المالك الماجد القادر القدوس يفعل الأمور الراجحة الحسنة لحسنها فيحمد عليه ، ولا يفعل الأمور المرجوحة لقبحها فيقدس وينزه عنها ، ويختار من المتساويين المترجحين من جميع الجهات ، ما يختار بمشيته وإرادته وقدره وقضائه وكتابه وأجله . وفي مرتبة فعله أحدهما ، قادر ومختار في إتيان بدله أيضا . قد تلخص في المقام أن الجهات الفارقة بين ما جاءت في محكمات الكتاب والسنة القطعية وبين ما في العلوم البشرية في أمور :