للمباهلة : « إذا أنا دعوت فأمّنوا » . فقال أسقفهم : « إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من جباله لأزاله ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة » [1] . فإنّ ذلك يدلّ على دخل لهم في ثبوت نبوّته وصدق كلامه ، وفي إذلال الخصوم وهلاكهم لو باهلوا . . . ، فكان لهم الأثر الكبير والسهم الجزيل في نصرة الدّين ورسول ربّ العالمين . ولا ريب أنّ من كان له هذا الشأن في مباهلة الأنبياء كان أفضل ممّن ليس له ذلك . قال القاشاني : « إن لمباهلة الأنبياء تأثيراً عظيماً سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إيّاهم به ، وهو المؤثّر بإذن الله في العالم العنصري ، فيكون انفعال العالم العنصري منه كإنفعال بدننا من روحنا بالهيئات الواردة عليه ، كالغضب ، والحزن ، والفكر في أحوال المعشوق ، وغير ذلك من تحرك الأعضاء عند حدوث الإرادات والعزائم ، وانفعال النفوس البشريّة منه كانفعال حواسّنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا ، فإذا اتّصل نفس قدسي به كان تأثيرها في العالم عند التوجه الاتصالي تأثير ما يتصل به ، فتنفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة الإنسانية منه بما أراد . ألم تَر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسه عليه السلام بالخوف ، وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية ؟ » [2] .
[1] الكشّاف 1 : 565 ، تفسير الخازن 1 : 254 ، السراج المنير في تفسير القرآن 1 : 222 ، المراغي 3 : 175 ، وغيرهم ممّن تقدم أو تأخّر . [2] تفسير القاسمي 4 : 113 .