هذا ، ونحن في حمارة القيظ وإبّان الهجير . وانظروا إلى محمّد صلّى الله عليه وآله رافعاً يده والأربعة من أهله معه إنّما ينتظر ما تجيبان به . ثمّ اعلموا أنّه إن نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكاً ، ولم نرجع إلى أهل ولا مال . فنظرا فأبصرا أمراً عظيماً فأيقنا أنّه الحقّ من الله تعالى فزلزلت أقدامهما ، وكادت أن تطيش عقولهما ، واستشعرا أن العذاب واقع بهما . فلمّا أبصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة والرهبة قال لهما : إنكما إن أسلمتما له سلمتما في عاجله وآجله ، وإن آثرتما دينكما وغضارة أيكتكما وشححتما بمنزلتكما من الشرف في قومكما فلست أحجر عليكما الضنين بما نلتما من ذلك ، ولكنكما بدهتما محمّداً صلّى الله عليه وآله بتطلّب المباهلة ، وجعلتماها حجازاً وآية بينكما وبينه ، وشخصتما من نجران وذلك من تألكما ، فأسرع محمّد صلّى الله عليه وآله إلى ما بغيتما منه ، والأنبياء إذ أظهرت بأمر لم ترجع إلاّ بقضائه وفعله ، فإذا نكلتما عن ذلك وأذهلتكما مخافة ما تريان ، فالحظّ في النكول لكما . فالوحا يا إخوتي الوحا ، صالحا محمّداً وأرضياه ، ولا ترجيا ذلك ، فإنّكما وأنا معكما بمنزلة قوم يونس لمّا غشيهم العذاب . قالا : فكن أنت يا ابا المثنى الذي تلقى محمّداً صلّى الله عليه وآله بكفالة ما يبتغيه لدينا ، والتمس لنا إليه ابن عمه هذا ليكون هو الذي يبرم الأمر بيننا وبينه ، فإنّه ذو الوجه والزعيم عنده ، ولا تبطئن ما ترجع إلينا به . وانطلق المنذر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله الذي ابتعثك ، وأنك وعيسى عبدان لله عزّ وجلّ مرسلان .