ثمّ قال : وذكرت أخا قريش وما جاء به من الآيات والنذر ، فأطلت وأعرضت ، ولقد بررت ، فنحن بمحمّد عالمون ، وبه جدّاً موقنون ، شهدت لقد انتظمت له الآيات والبيّنات ، سالفها وآنفها إلاّ آية هي أسعاها وأشرفها ، وإنّما مثلها في ما جاء به كمثل الرأس للجسد ، فما حال جسد لا رأس له ؟ ! فامهل رويداً نتجسّس الأخبار ونعتبر الآثار ، ولنستشف ما ألفينا ممّا أفضى إلينا ، فإن آنسنا الآية الجامعة الخاتمة لديه فنحن إليه أسرع وله أطوع ، وإلاّ فأعلم ما نذكر به النبوّة والسفارة عن الربّ الذي لا تفاوت في أمره ، ولا تغاير في حكمه . قال له حارثة : قد ناديت فأسمعت ، وفزعت فصدعت ، وسمعت وأطعت ، فما هذه الآية التي أوحش بعد الأنسة فقدها ، وأعقب الشكّ بعد البينة عدمها ؟ وقال له العاقب : قد أثلجك أبو قرّة بها فذهبت عنها في غير مذهب ، وحاورتنا فأطلت في غير ما طائل حوارنا . قال حارثة : وإلى ذلك فحلّها الآن لي فداك أبي وأمّي . قال العاقب : أفلح من سلم للحقّ وصدع به ، ولم يرغب عنه وقد أحاط به علماً ، فقد علمنا وعلمت من أنباء الكتب المستودعة علم القرون ، وما كان وما يكون ، فإنّها استهلّت بلسان كلّ أمّة منهم معربةً مبشرةً ومنذرةً بأحمد النبيّ العاقب ، الذي تطبق أمّته المشارق والمغارب . قالوا : وكان هذا مجلساً ثالثاً في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في أمرهم ، فقال السيّد : يا حارثة ! ألم ينّبئك أبو واثلة بأفصح لفظ اخترق أذناً ، ودعا ذلك بمثله مخبراً ; فألقاك مع غرمائك بموارده حجراً ، وها أنا ذا آكد عليك التذكرة بذلك من معدن ثالث . فأنشدك الله وما أنزل إلى كلمته من كلماته ، هل تجد في الزاجرة المنقولة