عزّ وجلّ أرسله إلى الناس جميعاً . قال حارثة : أفتعلم أنت يا أبا قرّة أن محمّداً مرسل من ربّه إلى قومه خاصّة ؟ ! قال : أجل . قال : أتشهد له بذلك ؟ ! قال : ويحك ، وهل يستطاع دفع الشواهد ؟ ! نعم ، أشهد غير مرتاب بذلك ، وبذلك شهدت له الصحف الدارسة والأنباء الخالية . فأطرق حارثة ضاحكاً ينكت الأرض بسبّابته . قال السيّد : ما يضحكك يا ابن أثاك . قال : عجبت فضحكت . قال : أو عجب ما تسمع ؟ ! قال : نعم ، العجب أجمع ، أليس - بالإله - بعجيب من رجل أوتي أثرةً من علم وحكمة يزعم أنّ الله عزّ وجلّ اصطفى لنبوّته ، واختصّ برسالته ، وأيّد بروحه وحكمته ، رجلا خرّاصاً يكذب عليه ويقول : أوحى إلىّ ولم يوح إليه ، فيخلط كالكاهن كذباً بصدق ، وباطلاً بحقّ ! فارتدع السيّد وعلم أنّه قد وهل فأمسك محجوجاً . قالوا : وكان حارثة بنجران حثيثاً - يعني غريباً - فأقبل عليه العاقب وقد قطعه ما فرط إلى السيّد من قوله ، فقال له : عليك أخا بني قيس من ثعلبة ، واحبس عليك ذلق لسانك وما لم تزل تسحمّ لنا من مثابة سفهك ، فربّ كلمة ترفع صاحبها رأساً قد ألقته في قعر مظلمة ، وربّ كلمة لامت ورابت قلوباً نغلةً ، فدع عنك ما يسبق إلى القلوب إنكار هو إن كان عندك ما يتسان اعتذاره .