والظّلام والحقّ والباطل بأشدّ بياناً وتفاوتاً ممّا بين هذين الرجلين صدقاً وكذباً . قالوا : وكان العاقب أحبّ - مع ما تبيّن من ذلك - أن يشيّد ما فرّط من تفريطه مسيلمة ويوثل منزلته ليجعل لرسول الله صلّى الله عليه وآله كفؤاً ، استظهاراً بذلك في بقاء عزّه وما طار له من السمو في أهل ملّته ، فقال : ولئن فخر أخو بني حنيفة في زعمه أنّ الله عزّ وجلّ أرسله ، وقال من ذلك ما ليس له بحقّ ، فلقد برّ في أن نقل قومه من عبادة الأوثان إلى الإيمان بالرحمن . قال حارثة أنشدك بالله الذي دحاها ، وأشرق باسمه قمراها ، هل تجد في ما أنزل الله عزّ وجلّ في الكتب السابقة : يقول الله عزّ وجلّ : أنا الله لا إله إلاّ أنا ديّان يوم الدين ، أنزلت كتبي وأرسلت رسلي لأن ستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان ، وجعلتهم في بريّتي وأرضي كالنجوم الدراري في سمائي ، يهدون بوحيي وأمري ، من أطاعهم أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، وإنّي لعنت وملائكتي في سمائي وأرضي واللاعنون من خلقي من جحد ربوبيّتي ، أو عدل بي شيئاً من بريّتي ، أو كذّب بأحد من أنبيائي ورسلي ، أو قال أوحي إلىّ ولم يوح إليه شيء ، أو غمص سلطاني ، أو تقمّصه متبرّياً ، وأكمه عبادي وأضلّهم عني ، ألا وإنّما يعبدني من عرف ما أريد في عبادتي وطاعتي من خلقي ، فمن لم يقصد إلىّ من السبيل التي نهجتها برسلي لم يزدد في عبادته منّي إلاّ بعداً . قال العاقب : رويدك ، فأشهد لقد نبأت حقّاً . قال حارثة : فما دون الحقّ من مقنع ، وما بعده لامرئ مفزع ، ولذلك قلت الذي قلت . فاعترضه السيّد - وكان ذا محال وجدال شديد - فقال : ما أحرى وما أرى أخا قريش مرسلاً إلاّ إلى قومه بني إسماعيل دينه ، وهو مع ذلك يزعم أنّ الله