الرحل ، فلو أضربت التذكرة عن أحد لتبزيز فضل لكنتماه ، لكنّها أبكار الكلام تهدى لأربابها ، ونصيحة كنتما أحقّ من أصغى لها ، إنّكما مليكا ثمرات قلوبنا ، ووليّا طاعتنا في ديننا فالكيّس الكيّس - يا أيّها المعظّمان - عليكما به ، أريا مقاماً يدهكما نواحيه وأهجرا سنّة التسويف في ما أنتما بعرضه ، آثرا الله في ما كان يؤثركما بالمزيد من فضله ، ولا تخلدا في ما أظلكما إلى الونية ، فإنّه من أطال عنان الأمر أهلكته العزّة ، ومن اقتعد مطيّة الحذر كان بسبيل آمن من المتالف ، ومن استنصح عقله كانت العبرة له لا به ، ومن نصح لله عزّ وجلّ آنسه الله جلّ وتعالى بعزّ الحياة وسعادة المنقلب . ثمّ أقبل على العاقب معاتباً فقال : وزعمت - أبا واثلة - أنّ راد ما قلت أكثر من قابله ، وأنت لعمر الله حريّ ألاّ يؤثر هذا عنك ، فقد علمت وعلمنا أمّة الإنجيل معاً بسيرة ما قام به المسيح عليه السلام في حواريه ومن آمن له من قومه ، وهذه منك فهّة لا يرحضها إلاّ التوبة والإقرار بما سبق به الإنكار . فلمّا أتى على هذا الكلام صرف إلى السيّد وجهه ، فقال : لا سيف إلاّ ذو نبوة ولا عليم إلاّ ذو هفوة ، فمن نزع عن وهلة وأقلع فهو السعيد الرشيد ، وإنّما الآفة في الإصرار ، وعرضت بذكر نبيّين يخلقان بعد ابن البتول ، فأين يذهب بك عمّا خلّد في الصحف من ذكرى ذلك ؟ ! ألم تعلم ما أنبأ به المسيح عليه السلام في بني إسرائيل ؟ ! وقوله لهم : كيف بكم إذا ذهب بي إلى أبي وأبيكم وخلّف بعد أعصار يخلو من بعدي وبعدكم صادق وكاذب ؟ ! قالوا : ومن هما يا مسيح الله ؟ قال : نبيّ من ذرّيّة إسماعيل عليهما السلام صادق ، ومتنبّئ من بني