عن طاعتهما لدينهما ، وفسخاً لمنزلتهما في الناس . فأقبل العاقب على حارثة فقال : أمسك عليك يا حار ، فإنّ رادّ هذا الكلام عليك أكثر من قابله ، وربّ قول يكون بليّةً على قائله ، وللقلوب نفرات عند الإصداع بمظنون الحكمة ، فاتّق نفورها ، فلكلّ نبأ أهل ; ولكلّ خطب محلّ ، وإنّما الدرك ما أخذ لك بمواضي النجاة وألبسك جنّة السلامة ، فلا تعدلنّ بهما حظّاً ، فإنّي لم ألك - لا أباً لك - نصحاً . ثمّ أرّم يعني أمسك . فأوجب السيّد أن يشرك العاقب في كلامه ، فأقبل على حارثة ، فقال : إنّي لم أزل أتعرف لك فضلا تميل إليه الألباب ، فإيّاك أنّ تقتعد مطيّة اللجاج ، وأن توجف إلى السراب ، فمن عذر بذلك فلست فيه أيّها المرء بمعذور ، وقد أغفلك أبو واثلة وهو ولي أمرنا وسيّد حضرنا عتاباً ، فأوله اعتباراً . ثمّ تعلم أنّ ناجم قريش - يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله - يكون رزؤه قليلاً ثمّ ينقطع ويخلو . أنّ بعد ذلك قرن يبعث في آخره النبيّ المبعوث بالحكمة والبيان ، والسيف والسلطان ، يملك ملكاً مؤجّلاً تطبق فيه أمّته المشارق والمغارب ، ومن ذرّيّته الأمير الظاهر ، يظهر على جميع الملكات والأديان ، ويبلغ ملكه ما طلع عليه الليل والنهار ، وذلك - يا حار - أمل من ورائه أمد ومن دونه أجلّ ، فتمسّك من دينك بما تعلم وتمنع - لله أبوك - من أنس متصرّم بالزمان أو لعارض من الحدثان ، فإنّما نحن ليومنا ولغد أهله . فأجابه حارثة بن أثال ، فقال : إيها عليك أبا قرّة ! فإنّه لا حظّ في يومه لمن لا درك له في غدوه ، اتّق الله تجد الله جلّ وتعالى بحيث لا مفزع إلاّ إليه ، وعرضت مشيّداً بذكر أبي واثلة ، فهو العزيز المطاع ، الرحب الباع وإليكما معاً يلقى