وهذان فيما تصرّف بكما الكلم إلى سبيلىْ حزن وسهل ، ولكل على تفاوتكم حظّ من الرأي الربيق والأمر الوثيق إذا أصيب به مواضعه . ثمّ إنّ أخا قريش قد نجدكم لخطب عظيم وأمر جسيم ، فما عندكم فيه قولوا وانجزوا ، أبخوع وإقرار ؟ أم نزوع ؟ ! قال عتبة والهدير والنفر من أهل نجران : فعاد كرز بن سبرة لكلامه - وكان كميّاً أبيّاً - فقال : أنحن نفارق ديناً رسخت عليه عروقنا ، ومضى عليه آباؤنا ، وعرف ملوك الناس ثمّ العرب ذلك منّا ؟ ! أنتهالك إلى ذلك أم نقرّ بالجزية وهي الخزية حقّاً ؟ ! لا والله حتّى نجرّد البواتر من أغمادها ، وتذهل الحلائل عن أولادها ، أو نشرق نحن ومحمّد بدمائنا ، ثمّ يديل الله عزّ وجلّ بنصره من يشاء . قال له السيّد : أربع على نفسك وعلينا أبا سبرة ، فإنّ سلّ السيف يسلّ السيوف ، وإنّ محمّداً قد بخعت له العرب وأعطته طاعتها ، وملك رجالها وأعنتها ، وجرت أحكامه في أهل الوبر منهم والمدر ، ورمقه الملكان العظيمان كسرى وقيصر فلا أراكم - والروح - لو نهد لكم إلاّ وقد تصدّع عنكم من خفّ معكم من هذه القبائل ، فصرتم جفاءً كأمس الذاهب ، أو كلحم على وضم . وكان فيهم رجل يقال له : جهير بن سراقة البارقي - من زنادقة نصارى العرب ، وكان له منزلة من ملوك النصرانية ، وكان مثواه بنجران - فقال له : أبا سعد قل في أمرنا وأنجدنا برأيك ، فهذا مجلس له ما بعده . فقال : فإنّي أرى لكم أن تقاربوا محمّداً وتطيعوه في بعض ملتمسه عندكم ، ولينطلق وفودكم إلى ملوك أهل ملّتكم ، إلى الملك الأكبر بالروم قيصر ، وإلى ملوك هذه الجلدة السوداء الخمسة - يعني ملوك السودان : ملك النوبة ، وملك