قول أبلغ من صول ، ثمّ أمسك . فأقبل عليه كرز بن سبرة الحارثي - وكان يومئذ زعيم بني الحارث بن كعب وفي بيت شرفهم والمعصب فيهم ، وأمير حروبهم - فقال : لقد انتفخ سحرك واستطير قلبك أبا حارثة ، فظلت كالمسبوع النزاعة المهلوع ، تضرب لنا الأمثال ، وتخوفنا النزال ، لقد علمت - وحقّ المنّان - بفضيلة الحفّاظ بالنوء بالعب وهو عظيم ، وتلقح الحرب وهو عقيم ، تثقِفُ إوَدَ الملك الجبّار ، ولنحن أركان الرائش وذي المنار ، الّذين شددنا ملكهما ، وأمّرنا مليكهما ، فأي أيّامنا ينكر ؟ ! أم لأيّها - ويك - تلمز ؟ ! فما أتى على آخر كلامه حتّى انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظاً وهو لا يشعر . فلمّا أمسك كرز بن سبرة ، أقبل عليه العاقب - واسمه عبد المسيح بن شرحبيل ، وهو يومئذ عميد القوم ، وأمير رأيهم ، وصاحب مشورتهم ، الذي لا يصدرون جميعاً إلاّ عن قوله - فقال له : أفلح وجهك ، وآنس ربعك ، وعزّ جارك ، وامتنع ذمارك ، ذكرت - وحقّ مغبّرة الجباه - حسباً صميماً ، وعيصاً كريماً ، وعزّاً قديماً ، ولكن - أبا سبرة - لكلّ مقام مقال ، ولكلّ عصر رجال ، والمرء بيومه أشبه منه بأمسه ، وهي الأيّام تهلك جيلاً وتديل قبيلاً ، والعافية أفضل جلباب ، وللآفات أسباب ، فمن أوكد أسبابه التعرض لأبوابها . ثمّ صمت العاقب مطرقاً . فأقبل عليه السيّد - واسمه أهتم بن النعمان ، وهو يومئذ أسقف نجران ، وكان نظير العاقب في علوّ المنزلة ، وهو رجل من عاملة ، وعداده في لخم - فقال له : سعد جدك ، وسما جِدّك أبا وائلة ، إنّ لكلّ لا معة ضياءً ، وعلى كلّ صواب نوراً ، ولكن لا يدركه - وحقّ واهب العقل - إلاّ من كان بصيراً ، إنّك أفضيت