مثل هذا البكور ، فأجفلت مذعورة ، ورجعت توقظني من نومي . نهضت مسرعا إلى أرديتي ، وانسللت أتخطّى الازقّة والمضايق ، ثمّ خرجت من بين العسكر وهم لي منكرون ، وتركتهم يتظنّنون ، وانسحبت أهبط الوادي إلى غار على شاطئ الليطاني ، كان لجأ إليه جدّنا السيّد صالح في محنة الجزّار . أمّا الجند فطفق يسأل عني ، واستوقف الصغار من أفراخي مع عمّهم السيّد محمّد وخالهم السيّد حسن ، يستنطقهم والسيف مصلت فوق رؤوسهم ، ولكنّهم أجمعوا على أنّي في دمشق ، ولمّا استيأسوا من العثور عليَّ تفرّقوا في القرية يأكلون ويشربون ويحطّمون ، ولم يغادروا ( شحوراً ) قبل أن يحرقوا الدار . . . فحكم علىّ بالنفي المؤبّد مع مصادرة ما أملك . وقد احتلّوا دارنا في صور بعد أن صيح نهباً في حجراتها ، فعظمت المصيبة وجلّت الرزية بنهب المكتبة الحافلة بكتبها القيّمة ، وفيها من نفائس الكتب المخطوطة ما لا يكاد يوجد في غيرها . وكان لي فيها كتب استفرغت في تأليفها زهرة حياتي وأشرف أوقاتي ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون » [1] . ثمّ إنّه شُرِّد به - طاب ثراه - مع أهله وذويه إلى دمشق ، فبقي بها مدّةً وانتقل منها إلى فلسطين ، ومنها إلى مصر ، وهو في جميع هذه الأحوال متنكّر وراء كوفيّة وعقال على نسق المألوف من الملابس الصحراوية اليوم ، حتّى إذا قصد الهجرة إلى العراق أرسل إليه بأمان وطلب منه العودة إلى وطنه ، وكانت العودة يوم الجمعة 18 شوّال سنة 1339 .
[1] موسوعة الامام السيد عبد الحسين شرف الدين 7 : 3379 .