شيخ الأزهر يومذاك - وكان يشرف على طلاّبه من منبره وهو منطلق في درسه انطلاقاً يلحظ فيه توفّره وضلاعته فيما هو فيه . وكان يلقي درساً في مسند الإمام الشافعي . . . حضرت درسه لأوّل مرّة . . . وعرض لي أثناء الدرس ما يوجب المناقشة فناقشته ، ثمّ علمت بعدئذ أن المناقشة وقت المحاضرة ليس من الدراسة الأزهرية ، فكنت بعدها أفضي إليه بعد الدرس بما عندي من المسائل الجديرة بالبحث والمذاكرة . وقد كانت مناقشتي الأولى - في كلّ حال - سبباً في اتّصال المودّة بيني وبينه ، وسبيلاً إلى الاحترام المتبادل ، ثمّ طالت الاجتماعات بيننا ، وتشاجنت الأحاديث وتشعّب البحث بما سجّلناه في كتابنا : المراجعات . ولو لم يكن من آثار هذه الزيارة إلاّ هذا الكتاب لكانت جديرة بأن تكون خالدة الأثر في حياتي على الأقلّ . ولعلّ الكتاب يصوّر بعض الأجواء العلمية التي تفيّأناها يومئذ منطلقين في آفاقها ، منطلقين من القيود الكثيرة التي كانت توثق الأفكار آنذاك برجعيّات يضيق صدرها حتّى بالمناقشة البريئة والتفكير الصحيح . ومهما يكن من أمر ، فقد نعمنا بمصر في خدمة هذا الشيخ ، واتّصلنا بغيره من أعلام مصر المبرّزين ، إذ زارونا وزرناهم ، أخصّ منهم العلاّمتين : الشيخ محمّد السملوطي والشيخ محمّد بخيت . وقد نجمت هذه الاجتماعات الكريمة عن فوائد جمّة . . . وعلى كلّ حال ، فقد غادرت مصر وأنا أحنّ إليها ، وأتزيّد من اللبث فيها ، ولم أغادرها قبل أن يتحفني أعلامها الثلاثة - البشري وبخيت والسملوطي - بإجازات مفصّلة عامّة عن مشايخهم أجمع ، بطرقهم كلّها المتّصلة بجميع أرباب