وهذا هو حديث الغدير المعروف ، الذي رواه أكثر من مائة من الصحابة ، وارتفع عدد رواته في الطبقات المتأخرة إلى أكثر من الألف ، فهو من المتواترات القطعية ، ونصه واضح الدلالة على المقصود . فلو أتيح لكل هذه الأحاديث ، أو بعضها ، أن ينشر بين المسلمين ، فلا بد أن كثيرا منهم كانوا يلتزمون بإمامة علي عليه السلام ، فلم يبق هو وأهل بيته بعيدين عن الحكم والسلطة طيلة خمسة وعشرين عاما ، ولا كان يتسلط على تلك المناصب المقدسة السامية ، أو يدعيها من لم تكن له بحق ، اعتمادا على حجج واهية ، أصح ما يقال فيها أنها : فلتة [1] لم يق الله شرها أن يعم تاريخ الإسلام ! فلو كانت تلك الأحاديث تنقل بواسطة الصحابة الأمناء أنفسهم ، كانت تأخذ من قلوب الناس وعقولهم موقعا قويا . ولذلك نجد أن المنع يتركز على الصحابة إلى حد ( الحبس ) والتهديد والتبعيد والجبر على الإقامة بالمدينة وعدم الخروج منها . كما أن المنع لم يختص بالتدوين ، بل منع عن رواية الحديث ونقله ، أو خصص الجواز بتقليله ، أو خصص بأحاديث الأعمال من الصلاة والصوم والحج من الفرائض والسنن ، دون غيرها من أحاديث الفضائل وأيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
[1] قالها عمر عن بيعة أبي بكر ، لاحظ تاريخ الطبري ( 3 / 205 ) مضافا إلى ما أوردنا له من المصادر في ( ص 414 ) .