للرد على من ذم الإكثار من الرواية ، فقال : فصل في فضل الإكثار من الرواية للسنن ، وذهب قوم إلى ذم الإكثار من الرواية ونسبوا ذلك إلى عمر . . . وقولهم هذا داحض بالبرهان الظاهر ، وهو أن يقال لمن ذم الإكثار من الرواية : أخبرنا ، أخير هي أم شر ؟ ولا سبيل إلى وجه ثالث . فإن قال : هي خير ، فالإكثار من الخير خير . وإن قال هي شر ، فالقليل من الشر شر ، وهم قد أخذوا بنصيب وافر منه . . . . ثم نقول لهم : عرفونا حد الإكثار من الرواية ، المذموم عندكم ؟ لنعرف ما تكرهون ؟ وحد الإقلال المستحب عندكم ؟ إلى آخر ما قاله [1] . ومن هم الناس الذين لا يريد عمر اتساعهم في الرواية ؟ أليسوا هم - في ذلك العهد - الصحابة الأمناء ، الذين لا يرتاب فيهم ، ولا يرتاب على الحديث منهم ؟ هذا مع أن الوارد في حديث حبس عمر للصحابة إنما هو لفظ أفشيتم ، لا أكثرتم ، مما يدل على أن الجرم الذي من أجله جلب الصحابة وحبسهم هو مجرد ذكر الحديث ونشره وإذاعته ، حتى لو لم يكن بحد الإكثار ! .
[1] الأحكام لابن حزم ( 1 / 252 - 253 ) نقله الجزائري في توجيه النظر ( ص 16 - 17 ) وانظر جامع بيان العلم ( 2 / 122 ) .