أما نحن ، فلا نتصور أن الإسلام العظيم ، دين المدنية ، يهمل الكتابة ، وهي من أهم أسس الحضارة البشرية . وكذلك لا نتهم أحدا من الصحابة الكرام بالتقصير في أداء هذا الواجب الديني المقدس . بل ، نعتقد بأن الإسلام وقوانينه الرصينة أجل من أن يمنع مثل هذا الأمر الدال على الكمال والرقي ، فكيف يمنع كتابة الحديث الشريف ، الذي هو ثاني مصادر هذا الدين ، باتفاق المسلمين ، على اختلاف الفرق والمذاهب ؟ ! كما نعتقد أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المخلصين لهذا الدين ، والمدافعين بكل وجودهم عن شريعة سيد المرسلين ، قد بذلوا جهدا واسعا مشكورا من أجل صيانة الحديث الشريف ، وضبطه وحفظه في الكتب المدونة . ولقد قاوموا عملية المنع ، وتهديدات المانعين ، فتحملوا المشاق من أجل ذلك ، فلم ينقطعوا عن أداء هذا الواجب المقدس ، طرفة عين ، وسنأتي على ذكر طرف من أحاديثهم ، وما بلوا به في هذا المجال [1] . كما أن المانعين من تدوين الحديث ، ومن التزم برأيهم ، واتبع آثارهم قد رجعوا إلى الحق ، فعادوا إلى الرشد ، ولحقوا بسائر المسلمين ، وتبعوهم في كتابة الحديث الشريف ، كتابة عامة ، ولو بعد قرن من الزمان ، دون تحرج أو منع أو تحريم !
[1] في الفصل ( 4 ) من القسم الأول ، وفي تمهيد القسم الثاني وخاتمته .