ومهما يكن موقف أولئك ، فإن عامة الصحابة أشاروا على عمر بالتدوين من دون ت حرج وهذا منهم وحده دليل على التزامهم بجواز الكتابة والتدوين من دون حرج [1] . بل قاوم بعضهم المنع بشدة ، ولم ينصاعوا عمليا لتلك الأوامر إطلاقا حتى أن عمر حاول الالتفاف عليهم ، لينقض على ما كتبوا من الأحاديث ، فطلب منهم إحضارها عند ه ، ولم يبين لهم مراده ، حتى ظنوا أنه يريد بها خيرا ، لكنه ، جمعها وأحرقها [2] . ولو علموا ذلك منه ، لما أتوه بها ولأخفوها عنه . وهذا النص يدل على أن دأب الصحابة ، كان على التدوين ، وبإصرار وحرص بالغين ، غير منصاعين لأوامر الوالي بالمنع ، حتى التجأ عمر إلى الالتفاف عليهم للقضاء على ما كتبوا ! قال الشيخ عبد الغني : فقد كان أكثرهم يبيح الكتابة ، ويحتفظ بالمكتوب منها ، والبعض يكتب بالفعل [3] . كما تدل على ذلك آثار الصحابة ومخلفاتهم المكتوبة ، التي جمعوا فيها الحديث الشريف ، والتي سنستعرضها في هذا المقام بتفصيل . ومقارنة سريعة بين أسماء المانعين للتدوين ، وبين أسماء المبيحين للتدوين من الصحابة ، تعطينا اليقين بأن المانعين إنما كانوا شذاذا حادوا
[1] الحديث والمحدثون لأبي زهو ( ص 234 ) . [2] لاحظ هذه الدراسة ، القسم الثاني ، التمهيد ( ص 274 ) وبعدها . [3] حجية السنة ( ص 448 ) .