الشرع ، ولا إلى عدم جوازه في عهد الرسول ، دليلا على عدم وجود منع سابق . وتدور الأمور ، حتى عهد عمر ، فنجده هو الآخر يقدم في بداية عصره على كتابة السنن ، فيريد أن يكتبها ثم يتردد ، فيستشير الصحابة في ذلك ، فأشار عليه كافتهم بالكتابة [1] . وهذا هو في نفسه دليل واضح على أنه لم يكن في عهد الصحابة تحرج من تدوين الحديث ، ولم يجر في خلد أحد منهم المنع ، وأنهم لم يأبهوا بما بدر من أبي بكر من إجراء الإبادة للحديث . وإلا ، فكيف يشير كافتهم على عمر بأن يكتب السنن ؟ ! . ولكن عمر لم يأخذ بمشورة الصحابة ، وإنما طفق شهرا ، مترددا ، إلى أن استقر رأيه على المنع ، بحجج سنعرضها في القسم الثاني . وكل هذا الإقدام وتلك الاستشارة ، وهذه الإشارة من الصحابة ، وذلك التردد والتعلل من عمر ، يدل على عدم ثبوت المنع عندهم من الشرع ، وإلا فلا معنى لكل ذلك . قال الشيخ محمد محمد أبو زهو : وقد كأن هذا [ المنع ] رأيا من عمر [2] . بل ، صدر المنع من أبي بكر ، وثم من عمر ، على أنه رأي خاص لهما ، من دون أن يوافقهما عليه سائر الصحابة .
[1] طبقات ابن سعد ( 3 / 286 ) و ( 3 ق 1 ص 206 ) من طبعة ليدن وتقييد العلم ( ص 49 - 51 ) وجامع بيان العلم ( 1 / 64 ) . [2] الحديث والمحدثون ، لأبي زهو ( ص 126 ) .