والمسلمين بمنع هذا العمل الحضاري المهم . والتشكيك في السنة الشريفة ثاني أعظم مصدر للتشريع بأنها منفصلة عن معينها ، حيث إن مدوناتها ومصنفاتها قد تأخرت عن عهد الرسول بما يقرب القرن من الزمان ! وذلك - حقا - زمان طويل بعيد يمكن أن يقضى فيه على الحديث كله ؟ ! [1] . ونحن ، وإن كنا ندفع هذا الاتهام ، بأن التدوين بدأ في عصر النبوة الزاهر ، ولم يتوقف أصلا ، بل استمر قائما على قدم وساق إلى أن وصل إلينا . وأن إجراءات الحكام لمنعه كان تصرفا مخالفا لما ثبت في الشرع الشريف من ضرورة نقله وضبطه ونشره بشكل واسع ، ونجد في أعمال الصحابة جهودا كبيرة واسعة ماثلة في المجاميع الكبيرة والصحف الصغيرة .
[1] حتى جعل بعض أدعياء ( تكوين العقل العربي ) منع التدوين للفترة الأولى إلى عام ( 143 ) للهجرة ، أساسا للقول بأن العقل العربي أخذ تصوراته من هذا العصر ، الذي لا يخلو من وجود رأي للذي قام بالتدوين ، فلا بد أنه قام بحذف وتقديم وتأخير في المرويات ، تكوين العقل العربي ( ص 46 ) . وهو يعني نفي أن يكون العربي المسلم قد اعتمد في تكوين عقليته على نصوص مقدسة ثابتة ، وبنى ذلك على مزعومة عدم تدوين الحديث إلى فترة متأخرة . مع أن أصول الفكر الإسلامي مأخوذة من القرآن ، والسنة المتواترة القطعية ، لا السنة الظنية ، مضافا إلى أن قضايا الفكر لا بد أن تعتمد على العقل والنظر ، لا النص والأثر . فما ذكره يدل على جهله بأصول التفكير الإسلامي ومبانيه ، وليس هدفه من طرح تلك المقولات إلا التهريج .