أما ما يجب النظر فيه ، وهو ما أخذ الكاتب العهدة على نفسه بتتبع الأحداث وإعطائها الأبعاد التي يراها حقيقية ، الشيء الذي يجعله يفضّل حادثة على أخرى ، بتوهين بعضها وتقوية الأخرى . وتدخل البداية والنهاية وموسوعة التاريخ الإسلامي في هذا النوع من التاريخ ، لأنهما لم يكتفيا بإيراد الأحداث ، بل علّقا عليها رغبة في إخراج موسوعة جاهزة للمجتمع تعبّر عن وجهة نظر معينة . إن عملية النقد التي ندعوا إليها هي نوع من الثورة على المقدس الذي خلقه التاريخ ، والتخلص من كل رواسب التبعية الايدلوجية . لأن البحث الحضاري ينطلق من قراءة موضوعية للأحداث التي عرضها التاريخ الإسلامي وتمحيصها بالشكل الذي نستطيع من خلاله الإجابة على أسئلة الحاضر ، واستشراف المستقبل برؤية نهضوية مبنية على الاستعداد المعرفي والعلمي لاحتضان الموعود الإلهي المنتظر . قد يكون الكلام إيدلوجيا ، لكن الحقيقة التي يجب أن ننطلق منها هي أن عالمنا عالم الايدلوجيات ، حيث لا يمكن قراءة العالم الإسلامي في غياب إيدلوجية واضحة تحدد مصيره المستقبلي ، خصوصاً أن الرهانات المستقبلية ليست رهانات لحظية أو تكتيكية ، بل هي رهانات ذات أبعاد استراتيجية تعتمد على الإنسان كفاعل تاريخي ، الإنسان المكلف بالاستخلاف * ( إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) * والذي أنيط به تحقيق هذه الخلافة على وجه الأرض وذلك بوعد إلهي : * ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ ) * .