ويبقى تدخل المؤرخ في هذه الوقائع هو المحدد الحقيقي لمصير التاريخ ، سواء بعرض الواقعة كحادثة حقيقية وإدراجها في المدوّنة التاريخية بالشكل الذي حدث ، أو الحاق هذا المصير إلى عالم التيه التاريخي وإدخال المجتمع في تعسّف قد يكون معرفياً ، مما يجعل الناس يعيشون منذ تحريف المؤرخ لذلك الحدث على كذبة قد تكون قاصمة لوجودهم الديني والروحي . والأمثلة على هذه متعددة في كل التواريخ العالمية ، وعلى رأسها التاريخ الإسلامي . وأحد الأمثلة الواضحة التي تدل على اعطاء المؤرخ الحكم قبل التفصيل في الخبر مثلا : ما أورده المؤرخ المغربي الناصري في كتابه قائلاً : ثم دخلت سنة تسع وثمانون ومائة وألف ، فيها كانت الفتنة العظمى التي هي خروج العبيد على السلطان وبيعته لابنه المولى يزيد وكان السبب في ذلك . . ( 1 ) . ويعلق الدكتور عبد الله العروي على هذا الخبر بقوله : يبدأ الناصري الذي يروي بوسائط عن شاهد عيان بنعت الحدث ( الفتنة العظمى ) قبل أن يفصّل الأحداث التي تستحق هذا النعت ( 2 ) . هذا الموقف هو ناتج عن ذهنية مسبقة أطّرتها الوضعية السياسية والثقافية لتلك الحقبة ، بل أكثر من هذا ، فبالإضافة إلى قراءة الأحداث والصاق الحكم عليها سارعت يد المؤرخ إلى شرعنة الوضع القائم .
1 - عبد الله العروي ، مفهوم التاريخ : 2 / 243 . 2 - المصدر السابق .